للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورب الكعبة، فذلك الذي جرأ زياداً ومعاوية على ما صنعا (١) .

فلما قتل علي رضي الله عنه، وتولى ولده الحسن رضي الله عنه، ثم فوض الأمر إلى معاوية كما هو مشهور، أراد معاوية استمالة زياد إليه وقصد تأليف قلبه ليكون معه كما كان مع علي، رضي الله عنه، فتعلق بذلك القول الذي صدر من أبيه بحضرة علي وعمرو بن العاص، فاستلحق زياداً في سنة أربع وأربعين للهجرة، فصار يقال له زياد بن أبي سفيان. فلما بلغ أخاه أبا بكرة أن معاوية استلحقه وأنه رضي ذلك حلف يميناً أن لا يكلمه أبداً، وقال: هذا زنى أمه وانتفى أبيه، والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط، ويله ما يصنع بأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أيريد أن يراها، فإن حجبته فضحته وإن رآها فيا لها مصيبة، يهتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمةً عظيمة. وحج زياد في زمن معاوية ودخل المدينة، فأراد الدخول على أم حبيبة لأنها أخته على زعمه وزعم معاوية، ثم ذكر قول أخيه أبي بكرة، فانصرف عن ذلك. وقيل إن أم حبيبة حجبته ولم تأذن له في الدخول عليها، وقيل إنه حج ولم يزر من أجل قول أبي بكرة، وقال: جزى الله أبا بكرة خيراً، فما يدع النصيحة على حال (٢) . وقدم زياد على معاوية وهو نائب عنه


(١) ر: فعلاٍ.
(٢) علق هنا صاحب المختار بقوله: " قلت، أعني كاتبها موسى بن أحمد لطف الله به: نقلت خط والدي رضي الله عنه ما صورته: وفد على معاوية بن أبي سفيان وفد من بني مخزوم وفيهم رجل أعمى معروف بين العرب، فوقفوا ببابه ينتظرون الإذن لهم في الدخول عليه، فجاء زياد ابن أبيه يوماً ليدخل إلى معاوية فسلم فارتج له الباب، فقال أعمى بني مخزوم: من الرجل فقيل له زياد بن أبي سفيان، فقال: كذب والله، إن أبا سفيان كان صديقي وأغشاه في كل وقت وأنا أعرف الناس به وببنيه وحاشاه من الزنا، فمضى زياد إلى معاوية فقال له صد عني أعمى بني مخزوم فقال معاوية ولم ذلك؛ قال: طعن في نسبي منك وأفسد في عقائد أهل الشام، فقال له معاوية: أعجزت عن قطع لسانه، فانصرف إلى منزله، وأرسل إلى أعمى بني مخزوم بألف دينار، فلما كان من الغد جاء ليدخل على معاوية، فسلم على من بالباب، وفيهم وفد بني مخزوم والأعمى فارتج له الباب، فقال الأعمى: من المسلم فقيل زياد، فبكى الأعمى، فقيل له مم بكاؤك فقال: قد علمتم ما كن بيني وبين أبي سفيان رحمه الله من المودة والألفة وكنت أعرف منه بحة في حلقه وقد سمعتها من نغمة ولده زياد، فذكرت عهده فبكيت. انتهى ما نقلته والله أعلم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>