للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأيت جماعة من فضلاء المغاربة ينكرون هذا التاريخ ويذكرون ما نشرحه إن شاء الله تعالى: وهو أن الفرنج جمعوا جمعاً عظيماً وقصدوه، وبلغ الأمير يعقوب خبر مسيرهم وكثرة جموعهم، فما هاله ذلك، وجدّ في السير نحوهم حتى التقوا في شمال قرطبة على قرب قلعة رباح في مرج الحديد (١) ، وفيه نهر يشقه، فعبر إلى منزلة الفرنج وصافهم، وذلك يوم الخميس التاسع من شعبان سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، واقتفى في ذلك طريقة أبيه وجده فإنهما أكثر ما كانوا يصافون يوم الخميس، ومعظم حركاتهم (٢) في صفر، ووقع القتال وبرزت الأبطال وصبرت الرجال، فأمر الأمير يعقوب فرسان الموحدين وأمراء العرب أن يحملوا ففعلوا، وانهزم الفرنج وعمل فيهم السيف فاستأصلهم قتلاً، وما نجا ملكهم إلا في نفر يسير، ولولا دخول الليل لم يبق منهم أحد، وغنم المسلمون أموالهم، حتى قيل إن الذي حصل لبيت المال من دروعهم ستون ألف درع، وأما الدواب على اختلاف أنواعها فلم يحصرها لها عدد، ولم يسمع في بلاد الأندلس بكسرة مثلها.

ومن عادة الموحدين أنهم لا يأسرون مشركاً محارباً إن ظفروا به ولو كان ملكاً عظيماً، بل تضرب رقابهم كثروا أو قلوا، فلما أصبح جيش المسلمين اتبعوهم فألفوهم قد أخلوا قلعة رباح لما داخلهم من الرعب، فملكها الأمير يعقوب وجعل فيها والياً وجيشاً. ولكثرة ما حصل له من الغنائم لم يمكنه الدخول إلى بلاد الفرنج في ذلك الوقت، فعاد إلى مدينة طليطلة وحاصرها وقاتلها أشد قتال وقطع أشجارها وشن الغارات على بلادها، وأخذ من أعمالها حصوناً كثيرة وقتل رجالها وسبى حريمها وخرب مبانيها (٣) وهدم أسوارها، وترك الفرنج في أسوأ حال، ولم يبرز إليه أحد من المقاتلة.


(١) سماه المراكشي " فحص الحديد ".
(٢) من هنا يبدأ النص بخط المؤلف.
(٣) ر: مغانيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>