المستنصر بالله، ومولده أول شوال سنة أربع وتسعين، ولم يكن في بني عبد المؤمن أحسن وجهاً منه ولا أبلغ في المخاطبة، إلا أنه كان مشغوفاً براحته، فلم يبرح عن حضرته، فضعفت الدولة في أيامه. ومات في شوال أو ذي القعدة سنة عشرين وستمائة، ولم يخلف ولداً.
(٣٥٩) فاتفق أراب الدولة على تولية أبي محمد عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن لكبر سنه ووفور عقله، فلم يحسن التدبير، ولا دارى أهل دولته فخلعوه وخنقوه بعد تسعة أشهر من ولايته. ولما تولى عبد الواحد بمراكش كان بالأندلس أبو محمد عبد الله بن الأمير يعقوب المذكور، فامتنع بمرسية، ورأى أنه أحق بالأمر من عبد الواحد، وخرج إلى ما في جهته من بلاد الأندلس فاستولى عليها بغير كلفة وتلقب بالعادل، فلما خنق عبد الواحد بمراكش، ثارت الفرنج بالأندلس على عبد الله المذكور وتواقعوا، وانهزم أصحابه هزيمة شنيعة وهرب هو وركب البحر يريد مراكش، وترك بإشبيلية أخاه أبا العلا إدريس بن الأمير يعقوب، وقاسى عبد الله شدائد في طريقه إلى مراكش من العربان، فلما وصلها اضطربت أحواله وقبض عليه أهل مراكش.
(٣٦٠) وتفاوضوا فيمن يقدمونه، فوقع اختيارهم على أبي زكريا يحيى بن الناصر محمد بن يعقوب، وهو إذ ذاك كما بقل وجهه غرّ لم يجرب الأمور، فلم يلبث إلا أياماً قلائل حتى ورد الخبر من الأندلس أن أبا العلا إدريس بن الأمير يعقوب ادعى الخلافة باشبيلية وبايعه أهل الأندلس، ثم آل أمره إلى أن حصره العرب بمراكش وهزموا عسكره مرة بعد أخرى، حتى ضجر منه أهل مراكش وتشاءموا به وأخرجوه عنهم، فهرب إلى جبل درن، ثم راسل في الباطن جماعة من أهل مراكش ليعود إليها ويقتل من بها من أعوان أبي العلا إدريس، فحضر إليها وقتل المذكورين.
(٣٦١) وجاء أبو العلا من الأندلس، وقد خرج عليه بها الأمير محمد بن يوسف