للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمصالح مملكته، مؤثراً لأهل العلم والدين كثير المشورة لهم، وبلغني أن الإمام حجة الإسلام أبا حامد الغزالي، تغمده الله تعالى برحمته، لما سمع ما هو عليه من الأوصاف الحميدة وميله إلى أهل العلم عزم على التوجه إليه، فوصل إلى الإسكندرية وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه فوصله خبر وفاته، فرجع عن ذلك العزم، وكنت وقفت على هذا الفصل في بعض الكتب، وقد ذهب عني في هذا الوقت أين وجدته.

وكان يوسف معتدل القامة أسمر اللون نحيف الجسم خفيف العارضين دقيق الصوت، وكان يخطب لبني العباس، وهو أول من تسمى بأمير المسلمين، ولم يزل على حاله وعزه وسلطانه إلى أن توفي يوم الاثنين لثلاث خلون من المحرم سنة خمسمائة، وعاش تسعين سنة ملك منها مدة خمسين سنة، رحمه الله تعالى.

وذكر شيخنا عز الدين بن الأثير في تاريخه الكبير ما مثاله (١) : سنة خمسمائة فيها توفي أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ملك المغرب والأندلس، وكان حسن السيرة خيراً عادلاً، يميل إلى أهل العلم والدين ويكرمهم ويحكمهم في بلاده ويصدر عن آرائهم، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، فمن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى الآخر عملاً يعمل فيه لأمير المسلمين، وتمنى الآخر زوجته، وكانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده، فبلغه الخبر، فأحضرهم وأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل الآخر، وقال للذي تمنى زوجته: يا جاهل، ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه ثم أرسله إليها، فتركته في خيمة ثلاثة أيام تحمل إليه في كل يوم طعاماً واحداً، ثم أحضرته وقالت له: ما أكلت في هذه الأيام قال: طعاماً واحداً، فقالت له: كل النساء شيء واحد؛ وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته.

(٣٨٥) وأما ولده علي المذكور فإنه توفي لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين وخمسمائة ومولده في حادي عشر رجب سنة ست وسبعين وأربعمائة،


(١) ابن الأثير ١٠: ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>