للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سبق ذكر طرف من حديثه في ترجمة محمد بن تومرت المهدي، فيكشف عنه.

ولما خرج عبد المؤمن بن علي - المقدم ذكره (١) - قاصداً جهة البلاد المغربية ليأخذها من علي بن يوسف بن تاشفين المذكور، كان مسيره على طريق الجبال فسير علي بن يوسف ولده تاشفين ليكون في قبالة عبد المؤمن، ومعه جيش فساروا في السهل وأقاموا على هذا مدة، فتوفي علي بن يوسف في أثنائها في التاريخ المذكور، فقدم أصحابه ولده إسحاق بن علي وجعلوه نائب أخيه تاشفين على مراكش، وكان صبياً وظهر أمر عبد المؤمن ودانت له الجبال، وفيها غمارة وتالدة والمصامدة، وهم أمم لا تحصى، فخاف تاشفين بن علي واستشعر القهر، وتيقن أن دولتهم ستزول، فأتى مدينة وهران، وهي على البحر، وقصد أن يجعلها مقره، فإن غلب عن (٢) الأمر ركب منها في البحر إلى بر الأندلس يقيم بها كما أقامت بنو أمية بالأندلس عند انقراض دولتهم بالشام وبقية البلاد، وفي ظاهر وهران ربوة على البحر تسمى صلب الكلب، وبأعلاها رباط يأوي إليه المتعبدون. وفي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة صعد تاشفين إلى ذلك الرباط ليحضر الختم في جماعة يسيرة من خواصه، وكان عبد المؤمن بجمعه في تاجرة وهي وطنه كما ذكرته في ترجمته واتفق أنه أرسل منسراً إلى وهران فوصلوها في اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان، ومقدمهم الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى صاحب المهدي، فكمنوا عشية، وأعلموا بانفراد تاشفين في ذلك الرباط، فقصدوه وأحاطوا به، وأحرقوا بابه، فأيقن الذين فيه بالهلاك، فخرج تاشفين راكباً فرسه، وشد الركض عليه ليثب الفرس النار وينجو، فترامى الفرس نازيا لروعته، ولم يملكه اللجام حتى تردى من جرف هنالك إلى جهة البحر على حجارة في وعر، فتكسر تاشفين وهلك في الوقت، وقتل الخواص الذين كانوا معه، وكان عسكره في ناحية أخرى لا علم لهم بما جرى في الليل.


(١) انظر ج ٣: ٢٣٧.
(٢) هكذا في المسودة.

<<  <  ج: ص:  >  >>