للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن تاشفين فلما رأى ما فعله من الاستعداد بالجمع الكثير رحل عن مكانه وأوهمه خواصه أن ملوك الأندلس يفرون عنه ويخلون بينه وبين الأذفونش فأصغى إلى كلامهم وعمل في نفسه قولهم، فأخذ في الحركة إلى البرية، وتحرك الجميع بحركته وجاز البحر عائداً إلى بلاده، وقد وغر صدره على ملوك الأندلس، وتبين لهم تغيره عليهم وخافوه، فشرعوا في تحصين بلادهم وتحصيل الأقوات، وراسل بعضهم الأذفونش ليكون عوناً له خوفاً من ابن تاشفين، فأجابه الأذفونش بالإعانة والمساعدة، وكان قد سير له هدايا وألطافاً كثيرة فقبلها منه، وحلف له على جميع ما التمس منه، واتصل ذلك بابن تاشفين فاستشاط غيظاً.

ثم إن ابن تاشفين جاز البحر مرة ثالثة وقصد قرطبة وهي لابن عباد، فوصلها في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين، وقد سبقه إليها ابن عباد، فخرج إليه بالضيافة وجرى معه على عادته. ثم إن ابن تاشفين أخذ غرناطة من صاحبها عبد الله بن بلكين بن باديس بن حبوس وحبسه، فطمع ابن عباد في غرناطة وأن ابن تاشفين يعطيه إياها. فعرّض له بذلك، فأعرض عنه ابن تاشفين، وخاف ابن عباد منه، وعمل على الخروج عنه فقال له: إنه جاءته كتب من إشبيلية، وهم خائفون من العدو المجاور لهم واستأذنه في العود إليها، فأذن له فعاد. ثم رجع ابن تاشفين إلى بلاده وجاز البحر في شهر رمضان من سنة ثلاث وثمانين، وأقام ببلاده إلى أن دخلت سنة أربع وثمانين، ثم عزم على العبور إلى الأندلس لمنازلة ابن عباد، وبلغ ذلك ابن عباد فأخذ في التأهب والاستعداد، ووصل ابن تاشفين إلى سبتة وجمع العساكر الكثيرة وقدّم عليهم سير بن أبي بكر فجاوزا البحر وضايقوا بلاد ابن عباد، فاستصرخ بالأذفونش فلم يلتفت إليه، وكان ما ذكرته، والله أعلم.

وفي هذه الترجمة ذكر الملثمين فيحتاج إلى الكلام عليه، والذي وجدته أن أصل هؤلاء القوم من حمير بن سبأ، وهم أصحاب خيل وإبل وشاء، ويسكنون الصحارى الجنوبية وينتقلون من ماء إلى ماء كالعرب، وبيوتهم من الشعر والوبر، وأول من جمعهم وحرضهم على القتال وأطمعهم في تملك

<<  <  ج: ص:  >  >>