للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حريصاً على الجمع بين علم الشريعة والحكمة وكان مفنناً.

ولم يزل يجمع إليه العلماء من كل فن من جميع الأقطار ومن جملتهم أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي.

ولما استوثق ليوسف الأمر وملك بلاد مردنيش من الأندلس خرج من إشبيلية قاصداً بلاد الأذفونش من الأندلس أيضاً فنزل على مدينة له تسمى وبذة (١) فأقام محاصراً لها شهوراً إلى أن اشتد عليهم الحصار وعطشوا، فراسلوه في تسليم المدينة وأن يعطيهم الأمان على نفوسهم، فامتنع من ذلك فلما اشتد بهم العطش سمع لهم في بعض الليالي لغط عظيم وأصوات هائلة، وذلك أنهم اجتمعوا بأسرهم ودعوا الله تعالى، فجاءهم مطر عظيم ملأ ما كان عندهم من الصهاريج، فارتووا وتقووا على المسلمين، فانصرف عنهم إلى إشبيلية بعد أن هادنهم مدة سبع سنين.

وكان يرتفع إليه في كل سنة من خراج إشبيلية وقر مائة وخمسين بغلاً، خارجاً عما يرتفع إليه من خراج بقية البلاد في بر العدوة وفي بر الأندلس.

وفي سنة تسع وسبعين (٢) تجهز للغزو في جيش عظيم وعبر إلى جزيرة الأندلس ونزل إشبيلية كعادتهم في إصلاح شأنهم، ثم رحل إلى شنترين، وهي بليدة في غرب الأندلس، وهي في غاية المنعة والحصانة، فحاصرها وضيق عليها، فلم يقدر عليها، وهجم الشتاء، وخاف المسلمون من البرد وزيادة مد النهر فلا يقدرون على العبور وتنقطع عنهم المادة، فأشاروا عليه بالرجوع إلى إشبيلية، فإذا طاب الزمان عاد إليها، فقبل ذلك منهم وقال: نحن راحلون غداً إن شاء الله تعالى، ولم ينتشر هذا الحديث لأنه قاله في مجلس الخاصة، فكان أول من قوض ورحل أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الرحمن الخطيب


(١) ر والمختار: ربدة.
(٢) قارن بما في المعجب: ٣٣٠ وما بعدها؛ وأورد صاحب البيان المغرب الخبر عن هذه المعركة مفصلاً (ص ١٢٨ - ١٣٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>