للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالقي (١) ، وكان من أهل العلم والفضل، فلما رآه الناس قد قوض خباءه قوضوا أيضاً ثقة به، لمكانه من الدولة ومعرفته بأسرارها، فعبر تلك الليلة أكثر العسكر على النهر خشية الزحام وطلباً لجيد المنازل، ولم يبق إلا من كان بقرب خباء الأمير يوسف بن عبد المؤمن، ولا علم له بذلك، فلما رأى الروم عبور العسكر وبلغهم من جواسيسهم ما عزم عليه الأمير يوسف وأصحابه خرجوا منتهزين الفرصة وحملوا حتى انتهوا إلى جهة الأمير يوسف، فقتل على بابه خلق كثير من أعيان الجند، وخلصوا إلى الأمير يوسف فطعنوه تحت سرته طعنة كانت سبب منيته، وتداركهم الناس، فانهزم الروم، وجعل الأمير يوسف في محفة، وعبر به النهر، ولم يسر به سوى ليلتين ومات في الثالثة، فلما وصلوا به إلى إشبيلية صبروه وصيروه في تابوت وحملوه إلى تين مل، ودفن هناك عند أبيه عبد المؤمن والمهدي محمد بن تومرت.

وكانت وفاته يوم السبت لسبع خلون من رجب سنة ثمانين وخمسمائة، وكان قبل موته بأشهر ينشد هذا البيت ويردده في أوقات كثيرة:

طوى الجديدان ماقد كنت أنشره ... وأنكرتني ذوات الأعين النجل وقام بعده بالأمر ولده أبو يوسف يعقوب، بويع في حياة أبيه، وقيل إن أشياخ الدولة اتفقوا على تقديمه بعد وفاة أبيه، والله أعلم.

(٣٨٩) وكان الأديب أبو العباس أحمد بن عبد السلام الكورايي (٢) - وكورايا قبيلة من البربر منازلهم بضواحي مدينة فاس، وقيل إن هذه القبيلة إنما يقال لها جراوة: بفتح الجيم وقد تبدل الجيم كافاً فيقال لها كرواة، والنسبة إليها جراوي وكراوي - وكان هذا الأديب نهاية في حفظ الأشعار القديمة والمحدثة، وتقدم في هذا الشأن وجالس به عبد المؤمن، ثم ولده يوسف ثم ولده يعقوب،


(١) شرح المراكشي في المعجب: ٣٣٣ ما حل بأبي الحسن المالقي هذا، فقد هرب خوفاً من الخليفة الموحدي، ولجأ إلى ابن الريق، ثم دس كتاباً إلى الموحدين يدلهم فيه على عورات الروم، فكشف أمره، وعوقب بالموت حرقاً، ولكن صاحب البيان المغرب (٣: ١٣٧) عده ممن استشهد في المعركة.
(٢) قد مر التعريف به، انظر ما تقدم ص: ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>