وسئل عن سبب توبته فقال: خرجت من مصر إلى بعض القرى، فنمت في الطريق في بعض الصحارى، ففتحت عيني فإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من وكرها على الأرض، فانشقت الأرض فخرجت منها سكرجتان: إحداهما ذهب والأخرى فضة، وفي إحادهما سمسم وفي الاخرى مساء، فجعلت تأكل من هذا وتشرب من هذا، فقلت: حسبي، قد تبت، ولزمت الباب إلى أن قبلني.
(٣٢) * وكان قد سعوا به إلى المتوكل فاستحضره من مصر، فلما دخل عليه وعظه، فبكى المتوكل ورده مكرماً؛ وكان المتوكل إذا ذكر أهل الورع بين يديه يبكي ويقول: إذا ذكر أهل الورع فحي هلا بذي النون. وكان رجلاً نحيفاً تعلوه حمرة، ليس بأبيض اللحية، وشيخه في الطريقة شقران العابد.
ومن كلامه: إذا صحت المناجاة بالقلوب استراحت الجوارح.
وقال إسحاق بن إبراهيم السرخسي بمكة: سمعت ذا النون وفي يده الغل وفي رجليه القيد وهو يساق إلى المطبق والناس يبكون حوله وهو يقول: هذا من مواهب الله تعالى ومن عطاياه، وكل فعاله عذب حسن طيب، ثم أنشد:
لك من قلبي المكان المصون ... كل لوم علي فيك يهون
لك عزم بأن أكون قتيلاً ... فيك والصبر عنك ما لا يكون ووقفت في بعض المجاميع على شيء من أخبار ذي النون المصري، رحمه الله تعالى، فقال: إن بعض الفقراء من الناس تلامذته فارقه من مصر وقدم بغداد فحضر بها سماعاً، فلما طاب القوم وتواجدوا قام ذلك الفقير ودار واستمع، ثم صرخ ووقع، فحركوه فوجدوه ميتا، فوصل خبره إلى شيخه ذي النون فقال لأصحابه: تجهزوا حتى نمشي إلى بغداد، فلما فرغوا من أشغالهم خرجوا إليها فقدموا عليها، وساعة قدومهم البلد قال الشيخ ائتوني بذلك المغني، فأحضروه إليه، فسأله عن قضية ذلك الفقير، فقص