محكم في القصاص والعفو أقر للتقوى، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب كما جعل ذي ذنب دونك، فإن تعاقب فبحقك وإن تعف فبفضلك، قال: بل أعفو يا إبراهيم، فكبر وسجد ورفع رأسه قائلاً يمدح المأمون:
يا خير من زملت إليه مطية ... بعد الرسول لآيس ولطامع من جملتها:
فعفوت عن من لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع
إلا العلو عن العقوبة بعدما ... ظفرت يداك بمسكتين خاضع
الله يعلم ما أقول فإنها ... جهد الألية من حنيف راكع
ما إن عصيتك والغواة تمدني ... أسبابها إلا بنية طايع
[إن الذي قسم الخلافة حازها ... في صلب آدم للإمام السابع] فذكر أن المأمون قال حين أنشده هذه القصيدة: أقول كما قال يوسف لأخوته (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) . وقيل إن المأمون استشار أصحابه في إبراهيم [بن المهدي] فأشار كل واحد بما حضره فأقبل على الحسن بن سهل فقال له: ما تقول أنت قال: يا أمير المؤمنين إن عاقبت فلك نظير وإن صفحت فلا نظير لك، فعفا عنه.
وكان المأمون أرسل إلى شكلة أم إبراهيم يتوعدها [بالقتل] فأرسلت إليه: إني من أمهاتك فإن كان ابني عصى الله فيك فلا تعصه فيّ.
وأما الفضل بن الربيع فسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في ترجمته في حرف الفاء.
وكان إبراهيم المذكور قد ترك الغناء آخر عمره وذلك أنه قال: كنت يوماً عند الرشيد في مجلس خلوة لم يحضره إلا جعفر بن يحيى البرمكي فبكى فقلت: يا أمير المؤمنين لا أبكى الله عينك، فقال: أنت أبكيتني يا إبراهيم لأنك مع كمالك وأدبك ومعرفتك قد اشتهرت بالغناء واخترته ولزمته حتى عطلت ما يسمو إليه مثلك وكأني بك غداً وقد ملك بعض ولد أخيك فأمرك ونهاك وامتهنك في الغناء وإنما امتهن المهدي بك؛ قال: فلما كان في أيام المعتصم