غير هذا الأدب أو لتستقيمن، اقرأ عليهم يا غلام كتاب أمير المؤمنين، فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم، لم يبق أحد في المسجد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام، ثم نزل فوضع للناس أعطياتهم فجعلوا يأخذون حتى أتاه شيخ يرعش كبراً فقال: أيها الأمير إني من الضعف على ما ترى ولي ابن هو أقوى على الأسفار مني أفتقبله بدلاً مني فقال الحجاج: نفعل أيها الشيخ، فلما ولى قال له قائل: اتدري من هذا أيها الأمير قال: لا، قال: هذا عمير بن ضابئ البرجمي الذي يقول أبوه في عثمان بن عفان:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله ودخل هذا الشيخ على عثمان مقتولاً فوطئ بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه؛ فقال: ردوه، فلما رد قال له الحجاج: أيها الشيخ هلا بعثت إلى أمير المؤمنين عثمان رحمه الله تعالى بديلاً يوم الدار؛ إن في قتلك أيها الشيخ لصلاحاً للمسلمين، يا حرسي اضربن عنقه؛ فجعل الرجل يضيق عليه أمره فيرتحل ويأمر وليه أن يلحقه بزاده، ففي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي:
تجهز فإما أن تزور ابن ضابئ ... عميراً وإما أن تزور المهلبا وكان من قصة عمير بن ضابئ أن أباه ضابئ بن الحارث البرجمي وجب عليه حبس عند عثمان بن عفان رضي الله عنه وأدب، وذلك أنه كان استعار كلباً من قوم فأعاروه إياه ثم طلبوه منه وكان فحاشاً فرمى أمهم به، فقال في بعض كلامه:
فأمكم لا تتركوها وكلبكم ... فإن عقوق الوالدات كبير فاضطغن على عثمان رضي الله عنه ما فعل، فلما دعي ليؤدب شد سكيناً في ساقه ليقتل بها عثمان رحمه الله فعثر عليه فأحسن أدبه، ففي ذلك يقول: هممت ولم أفعل] (١) .
(١) انفردت النسخة د بالقطعة كلها الواقعة بين معقفين.