أخاصمك لأن الحكم يومئذ إلى غيرك، قال: نقمعك عن الكلام السيء؛ يا حرسي اضرب عنقه، واومأ إلى السياف ألا تقتله، فجعل يأتيه من بين يديه ومن خلفه ويروعه بالسيف، فلما طال ذلك رشح جبينه، قال: جزعت من الموت يا عدو الله قال: لا يا فاسق ولكن أبطأت علي بما فيه راحة؛ قال: يا حرسي، أوجب جرحه، فلما أحسن بالسيف قال: لا إله إلا الله، والله لقد أتمها ورأسه في الأرض.
وقال القاضي (١) : لما حمل الأسري إلى الحجاج وهو حينئذ بواسط القصب قبل أن يبني مدينة واسط قال لحاجبه: قدم إلي سيدهم فيروز بن الحصين، فقال: له الحجاج: أبا عثمان ما أخرجك مع هؤلاء قال: فتنة عمت الناس، فقال: اكتب لي أموالك، قال: ثم ماذا قال: اكتبها أولاً، قال: ثم أنا آمن على دمي قال: اكتبها ثم أنظر، قال: اكتب يا غلام، ألف ألفي الف، حتى ذكر مالاً كثيراً، فقال الحجاج: أين هي وعند من هي قال: لا والله لا جمعت بين مالي ودمي، فأمر الحجاج فعذب بأنواع العذاب، وكان من جملة ما عذب به أن يشد عليه القصب الفارسي المشقوق ثم يجر حتى يجرح جسده ثم ينضح عليه الخل والملح؛ فلما أحس بالموت قال: إن الناس لا تشكن أني قتلت ولي ودائع وأموال عند الناس لا تؤدى إليكم أبداً، فأظهروني للناس ليعلموا أني حي فيؤدوا المال، فأخرج قصاح في الناس: من عرفني فقد عرفني؛ أنا فيروز، إن لي عند أقوام مالاً فمن كان لي عنده شيء فهو له وهو منه في حل فلا يؤدين أحد منه درهماً، ليبلغ الشاهد الغائب؛ فأمر به الحجاج فقتل.
وجلس الحجاج يوماً لقتل أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس، فقام رجل منهم فقال: أصلح الله عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس، قال: سبك عبد الرحمن يوماً فرددت عليه، فقال: من يعلم ذلك قال: أنشد الله رجلاً سمع ذلك إلا شهد به، فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيها الأمير، قال: خلوا عنه، ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر قال: لقديم بغضي إياك، قال: ولنخل عنه لصدقه.
(١) أوردت نسخة ر قبل هذه القصة حديث الحجاج مع الغضبان بن القبعثري.