للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو الحسن المدائني: لما ظفر الحجاج بأصحاب ابن الأشعث، جلس لضرب أعناقهم عامة النهار، فأتي آخرهم برجل من بني تميم قال له: والله يا حجاج لئن كنا قد اسأنا في الذنب لما أحسنت في العقوبة، فقال الحجاج: أف لهذه الجيف أما فيها رجل يحسن مثل هذا وعفا عنه (١) .

ولما حضر الشعبي بين يدي الحجاج سلم بالإمرة ثم قال: أيها الأمير، إن الناس قد أمروني أن أعتذر إليك لغير ما يعلم الله أنه الحق، وايم الله لا أقول في هذا المقام إلا حقاً، قد والله خرجنا عليك واجتهدنا كل الجهد فما ألونا فما كنا بالفجرة الأقوياء ولا البررة الأتقياء، ولقد نصرك الله علينا وظفرك بنا، فإن سطوت فبذنوبنا وما جرت إلينا أيدينا، وإن عفوت عنا فبحلمك وبعد الحجة لك علينا، فقال له الحجاج: أنت والله أحب إلي ممن يدخل علي يقطر سيفه من دمائنا ثم يقول ما فعلت وما شهدت؛ قد أمنت عندنا يا شعبي، فانصرف (٢) .

وقال الشعبي: سمعت الحجاج تكلم بكلام ما سبقه إليه أحد، يقول: أما بعد، فإن الله كتب على الدنيا الفناء وعلى الآخرة البقاء، فلا فناء لما كتب عليه البقاء، ولا بقاء لما كتب عليه الفناء، فلا يغرنك شاهد الدنيا عن غائب الآخرة واقهروا طول الأمل بقصر الأجل.

وكان إبراهيم النخعي هارباً من الحجاج مدة أيامه ثم ظهر بعده فقيل له: أين كنت قال: بحيث يقول الشاعر:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير وذكر الحسن بن محمد بن هلال الصابئ أن الحجاج انفرد يوماً عن عسكره فمر برجل يسقي ضيعة له، فقال له: كيف حالكم مع أميركم فقال: لعنه


(١) ورد بعذ هذا الموضع في النسخة ر: وأتي الحجاج بامرأة من الخوارج فجعل يكلمها وهي لا تنظر إليه، فقيل: الأمير يكلمك وأنت لا تنظرين إليه، قالت: إني أستحيي أن أنظر إلى من لا ينظر الله إليه.
(٢) وردت هذه القصة عن الشعبي في النسخة د على نحو مغاير وهي هنالك متفقة مع ما جاء في تهذيب ابن عساكر ٧: ١٥٠ - ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>