كسيرات يابسة، فعطشت فقمت إلى دن فيه ماء حار، فقلت: رحمك الله! لو اتخذت دفاً غير هذا يكون فيه الماء بارداً، فقال لي: إذا كنت لا أشرب إلا بارداً ولا آكل إلا طيباً ولا ألبس إلا ليناً، فما أبقيت لآخرتي قال: قلت له: أوصني، قال: صم عن الدنيا، واجعل إفطارك فيها الموت، وفر من الناس فرارك من السبع، وصاحب أهل التقوى إن صحبت فإنهم أخف مؤونة وأحسن معونة، ولا تدع الجماعة، حسبك هذا إن عملت به.
وقال داود الطائي: ما حسدت أحداً على شيء إلا أن يكون رجلاً يقوم الليل؛ فإني أحب أن أرزق وقتاً من الليل. قال أبو خالد: وبلغني أنه كان لا ينام الليل، [إذا غلبته عيناه احتبى قاعداً] ؛ ومكث عشرين سنة لا يرفع رأسه إلى السماء.
وقدم هارون الرشيد الكوفة فكتب قوماً من القراء فأمر لكل واحد منهم بألفي درهم فكان داود الطائي ممن كتب فيهم ودعي باسمه أين داود الطائي فقالوا: داود يجيبكم أرسلوا إليه، قال ابن السماك وحماد بن أبي حنيفة: نحن نذهب إليه، قال ابن السماك لحماد في الطريق: إذا نحن دخلنا عليه فانثرها بين يديه فإن للعين حظها، فقال حماد: رجل ليس عنده شيء يؤمر له بألفي درهم يردها!! فلما دخلوا عليه فنثروها بين يديه قال: سوءة، إنما يفعل هذا بالصبيان، وأبى أن يقبلها.
وقال حماد بن أبي حنيفة إن مولاة كانت لداود تخدمه قالت: لو طبخت لك دسماً تأكله، فقال: وددت، فطبخت له دسماً ثم أتته به، فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان قالت: على حالهم، قال: اذهبي بهذا إليهم، فقالت: أنت لم تأكل أدماً منذ كذا وكذا، فقال: إن هذا إذا أكلوه صار إلى العرش، وإذا أكلته صار إلى الحش، فقالت له: يا سيدي أما تشتهي الخبز قال: يا داية، بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية.
وقال محارب بن دثار: لو كان داود في الأمم الماضية لقص الله تعالى شيئاً من خبره.
توفي داود سنة ستين، وقيل سنة خمس وستين ومائة، رحمه الله تعالى.