للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما مات جاء ابن السماك ووقف على قبره ثم قال:

أيها الناس إن أهل الزهد في الدنيا تعجلوا الراحة على أبدانهم مع يسير الحساب غداً عليهم، وإن أهل الرغبة فيها تعجلوا التعب على أبدانهم مع ثقل الحساب غداً عليهم، والزهادة راحة لصاحبها في الدنيا والآخرة، والرغبة تعب لصاحبها في الدنيا والآخرة؛ رحمك الله أبا سليمان ما كان أعجب شأنك، ألزمت نفسك الصبر حتى قومتها: أجعتها وإنما تريد شبعها، وأظمأتها وإنما تريد ريها، أخشنت المطعم وإنما تريد طيبه، أخشنت الملبس وإنما تريد لينه؛ أبا سليمان: أما كنت تشتهي من الطعام طيبه، ومن الماء بارده، ومن اللباس لينه بلى ولكن أخرت ذلك لما بين يديك، فما أراك إلا قد ظفرت بما طلبت وما إليه رغبت، فما أيسر ما ضيعت، وأحقر ما فعلت في جنب ما أملت، فمن سعى مثلك عزم عزمك وصبر صبرك، آنس ما يكون إذا كنت بالله خالياً وأوحش ما يكون آنس ما يكون الناس. سمعت الحديث وتركت الناس يحدثون وتفهمت في دين الله وتركتهم يفتون. لا تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية، سجنت نفسك في بيتك فلا محدث لك، ولا ستر على بابك، فلو رأيت جنازتك وكثرة تابعك علمت أنه قد شرفك وأكرمك وألبسك رداء عملك، فلو لم يرغب عبد في الزهد في الدنيا إلا لمحبة هذا الستر الجميل والتابع الكثير لكان حقيقاً بالاجتهاد، فسبحان من لا يضيع مطيعاً ولا ينسى لأحد صنيعاً.

[وقيل إن ابن السماك لما قام على قبر داود قال: رحمك الله يا داود! كنت تسهر ليلك والناس نائمون، وكنت تربح إذ الناس يخسرون، فقال الناس جميعاً: صدقت؛ وكنت تسلم إذ الناس يخوضون، فقال الناس جميعاً: صدقت؛ حتى عدد فضائله كلها. ولما فرغ قام أبو بكر النهشلي فحمد الله ثم قال: يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم مبلغ ما علموا، اللهم فاغفر له برحمتك ولا تكله إلى عمله، وفرغ من دفنه وقام الناس.

قال جعفر بن نفيل الرهبي: رأيت داود الطائي بعد موته فقلت له: كيف رأيت خير الآخرة قال: رأيت خيرها كثيراً، قلت: فماذا صرت إليه قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>