للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الربيع: كنا يوماً وقوفا على رأس المنصور وقد طرحت لولده المهدي - وهو يومئذ ولي عهده - وسادة إذ أقبل صالح بن المنصور، وكان قد رشحه أن يوليه بعض أموره، فقام بين السماطين، والناس على قدر أنسابهم ومراتبهم، فتكلم فأجاد، فمد المنصور يده إليه، وقال: إلي يا بني، واعتنقه، ونظر إلى وجوه الناس، هل فيهم من يذكر مقامه ويصف فضله فكلهم كرهوا ذلك بسبب المهدي خيفةً منه، فقام شبة بن عقال التميمي (١) ، فقال: لله در خطيب قام عندك يا أمير المؤمنين، ما أفصح لسانه، وأحسن بيانه، وأمضى جنانه، وأبل ريقه، وأسهل طريقه، وكيف لا يكون كذلك، وأمير المؤمنين أبوه، والمهدي أخوه وهو كما قال الشاعر (٢) :

هو الجواد فإن يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا

أو يسبقاه على ما كان من مهل ... فمثل ما قدما من صالح سبقا فعجب من حضر بجمعه بين المدحين وإرضائه المنصور وخلاصه من المهدي؛ قال الربيع: فقال لي المنصور: لا يخرج التميمي إلا بثلاثين ألف درهم، فلم يخرج إلا بها.

ويقال: إن الربيع لم يكن له أب يعرف، وإن بعض الهاشميين دخل على المنصور وجعل يحدثه، ويقول: كان أبي رحمه الله تعالى، وكان، وأكثر من الترحم عليه، فقال له الربيع: كم تترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين فقال له الهاشمي: انت معذور يا ربيع، لأنك لا تعرف مقدار الآباء، فخجل منه.

ولما دخل أبو جعفر المنصور المدينة، قال للربيع: ابغني رجلاً عاقلاً عالماً ليقفني على دورها، فقد بعد عهدي بديار قومي، فالتمس له الربيع فتى من أعلم الناس وأعقلهم، فكان لا يبتدئ بالإخبار عن شيء حتى يسأله المنصور،


(١) ورد هذا في البيان ١: ٣٥٢ منسوباً إلى شبيب بن شيبة المنقري الخطيب.
(٢) الشعر لزهير بن أبي سلمى؛ ديوانه: ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>