للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخل عليه الربيع، ومعه قطعة من جراب فيه كتابة برماد وخاتم من طين قد عجن بالرماد وهو مطبوع بخاتم الخلافة، فقال: يا أمير المؤمنين، وما رأيت أعجب من هذه الرقعة، جاءني بها رجل أعرابي، وهو ينادي: هذا كتاب أمير المؤمنين، دلوني على هذا الرجل الذي يسمى الربيع، فقد أمرني أن أدفعها إليه، وهذه هي الرقعة؛ فأخذها المهدي وضحك وقال: صدقت، هذا خطي وهذا خاتمي، أفلا أخبركم بالقصة كيف كانت قلنا: أمير المؤمنين أعلى رأياً في ذلك، فقال: خرجت أمس إلى الصيد في غب سماء، فلما أصبحت هاج علينا ضباب شديد وفقدت أصحابي حتى ما رأيت منهم أحداً، وأصابني من البرد والجوع والعطش ما الله به أعلم، وتحيرت عند ذلك فذكرت دعاء سمعته من أبي، يحكيه عن أبيه عن جده عن ابن عباس - رضى الله عنهما - رفعه، قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى " بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اعتصمت بالله وتوكلت على الله، حسبي الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " وقي وكفي وهدي وشفي من الحرق والغرق والهدم وميتة السوء، فلما قلتها، رفع الله لي ضوء نار، فقصدتها فإذا بهذا الأعرابي في خيمة له، وإذا هو يوقد ناراً بين يديه، فقلت له: أيها الأعرابي، هل من ضيافة فقال: انزل، فنزلت، فقال لزوجته: هاتي ذلك الشعير، فأتت به، فقال: اطحنيه، فابتدأت تطحنه، فقلت له: اسقني ماء، فأتى بسقاء فيه مذقة لبن أكثرها ماء، فشربت منها شربة ما شربت شيئاً قط إلا وهي أطيب منه، وأعطاني حلساً له فوضعت رأسي عليه، فنمت نومة ما نمت أطيب منها وألذ، ثم انتبهت، فإذا هو قد وثب إلى شويهة فذبحها، وإذا امرأته تقول له: ويحكّ قتلت نفسك وصبيتك، إنما كان معاشكم من هذه الشاة، فذبحتها فبأي شيء نعيش قال: فقلت: لا عليك، هات الشاة، فشققت جوفها، واستخرجت كبدها بسكين كانت في خفي، فشرحتها ثم طرحتها على النار وأكلتها، ثم قلت له: هل عندك شيء أكتب لك فيه فجاءني بهذه القطعة من جراب، وأخذت عوداً من الرماد الذي بين يديه، وكتبت له هذا الكتاب، وختمته بهذا الخاتم، وأمرته أن يجيء ويسأل عن الربيع فيدفعها

<<  <  ج: ص:  >  >>