وأجيء به إلى صاحبي، فقال له الديك: إنك لو رأيت من البزاة في سفافيدهم المعدة للشي مثل الذي رأيت من الديوك لكنت أنفر مني، ولكنكم أنتم لو علمتم ما أعلم لم تتعجبوا من خوفي مع ما ترون من تمكن حالي.
ثم إنه أوقع به سنة ثلاث وخمسين ومائة، وعذبه وأخذ أمواله. ومات سنة أربع وخمسين ومائة، رحمه الله تعالى.
[وكان سبب ذلك ما حكاه المعافى بن زكريا في كتاب " الجليس والأنيس " قال: كان أبو جعفر المنصور في بعض أسفاره في أيام بني أمية تزوج امرأة من الأزد بالموصل عن ضر شديد أصابه، حتى أكرى نفسه مع الملاحين يمد في الحبل، أو فعل ذلك لأمر خافه على نفسه، فتنكر وأكرى نفسه في مدادي السفن، فخطب هذه المرأة ورغبها في نفسه ووعدها ومناها، وأخبرها أنه جليل القدر وأنه من أهل بيت شرف، وأنها إن تزوجته سعدت، ولم يزل يمنيها حتى أجابته، وأقام معها يختلف في أسبابه ويجعل طريقه عليها بما رزقه الله تعالى؛ ثم اشتملت على حمل فقال لها: أيتها المرأة، هذه رقعة مختومة عندك لا تفتحيها حتى تضعي ما في بطنك، فإن ولدت ابناً فسميه جعفراً وكنيه أبا عبد الله، وإن ولدت بنتاً فسميها فلانة، وأنا عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبط المطلب، فاستري أمري فإنا قوم مطلوبون، والسلطان إلينا سريع، وودعها وخرج؛ فقضي أنها ولدت ذكراً، فأخرجت الرقعة فقرأت ما فيها، وسمته جعفراً، وضرب الدهر على ذلك، ما تسمع له خبراً، ونشأ الصبي مع أخواله وأهل بيت أمه، وكان كيساً ذهناً لقناً، واستخلف أبو العباس، فقيل للمرأة: إن كنت صادقة في رقعتك وكان من كتبها صادقاً فإن زوجك الخليفة أمير المؤمنين. قالت: ما أدري، صفوا لي صفة هذا الخليفة، قالوا: غلام حين بقل وجهه، قالت: ليس هو هو، قالوا: فاستري أمرك، ولم يلبث أبو العباس أن مات واستحكم عندها اليأس، وأقبل ابنها على الأدب فتأدب وكتب ونزعت به همته إلى بغداد فدخل ديوان أبي أيوب كاتب المنصور وانقطع إلى بعض أهله فأتى عليه زمان يتقوت بالكسب ويزيد في أدبه وفهمه وخطه حتى صار يكتب بين يدي أبي أيوب، إلى أن تهيأ