للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن خرج خادم يوماً إلى الديوان يطلب كاتباً يكتب بين يدي المنصور، فقال أبو أيوب للغلام: خذ دواتك وقم واكتب بين يدي أمير المؤمنين، فدخل الغلام فكتب، وكان يتهيأ من أبي جعفر إليه النظرة بعد النظرة يتامله، والقيت عليه محبته واستجاد خطه واسترشق فهمه، فكتب زماناً واستراح أبو أيوب إلى مكانه، ورأى أنه قد حمل عنه ثقلاً، وبز الغلام ووصله وكساه كسوة تصلح أن يدخل بها على أمير المؤمنين؛ ثم إن أبا جعفر قال للغلام يوماً: ما اسمك قال: جعفر، قال: ابن من فسكت متحيراً، قال ابن من ويحك قال: ابن عبد الله، قال: وأين أبوك قال: لم أره ولم أعرفه، ولكن أمي أخبرتني أن أبي شريف وان عندها رقعة بخطه فيها نسبه: عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، فساعة ذكر الرقعة تغير وجه المنصور فقال: وأين أمك قال: في موضع كذا، قال: أتعرف فلاناً قال: نعم، هو إمام مسجد محلتنا، قال: أتعرف فلاناً قال: نعم، خياط في مسجدنا، قال: أفتعرف فلاناً قال: نعم في سكننا، فلما رأى الغلام أبا جعفر ينزع بأسماء قوم يعرفهم أدركته هيبة له وجزع وتدمع، فأدركت أبا جعفر الرقة عليه، فلم يتمالك أن قال: فلانة بنت فلانة من هي منك قال: أمي، قال: فلانة قال: خالتي، قال: فلان قال: خالي، فضمه إليه وبكى، وقال: يا غلام لا تعلمن أبا أيوب ولا أحداً ما دار بيني وبينك، انظر انظر، احذر احذر، فنهض الغلام وخرج، فقال له أبو أيوب: لقد احتبست عند أمير المؤمنين، قال: كتبت كتباً كثيرة أملاها علي، فأين هي قال: جعلها نسخاً يردد فيها نظره حتى يحكمها، ثم خرج إلى الديوان.

ثم إن أبا جعفر جعل يقول في بعض الأيام لأبي أيوب: هذا الغلام الذي يكتب بين يدي استوص به، فاتهم أبو أيوب الغلام أنه يلقي إلى أبي جعفر الشيء بعد الشيء من خبره، ثم لم يلبث أن سأله مرة بعد مرة، فقذف في بلب أبي أيوب بغض الغلام وأنه يقوم مقامه إن فقده أبو جعفر، وأبو جعفر يزداد ولها إلى الغلام ويجن به جنوناً وليس يمنعه من إدنائه وإظهار أمره إلا أمر يريد الله، فلما رأى أبو أيوب ذلك احتبسه عنده عناداً، ثم قال المنصور

<<  <  ج: ص:  >  >>