الماكرين. فجعل لهم شاور مائة ألف دينار وسألهم الرحيل عنهم ليجمع لهم المال، فرحلوا وشرع شاور يجمع المال من أهل القاهرة ومضى فلم يتحصل له إلا قدر يسير لا يبلغ خمسة آلاف دينار وتنبه أن أهل مصر أحرقت دورهم بما فيها وما سلم نهب وهم لا يقدرون على الأقوات فضلاً على الأقساط، وأما أهل القاهرة فالأغلب فيهم الجند وغلمانهم فلهذا تعذر جمع المال، وهم في خلال هذا يراسلون نور الدين بما الناس فيه وبذلوا له ثلث خراج ديار مصر وأن يكون أسد الدين مقيماً عندهم في عسكر يكون مقطعاً في الديار المصرية خارجاً عن الثلث المختص به.
فأسر نور الدين لأسد الدين بالتجهيز إلى مصر وأعطاه مائتي ألف دينار سوى الثياب والأسلحة والدواب وغير ذلك وحكمه في العسكر والخزائن، فاختار من العسكر الفي فارس وأخذ المال وجمع ستة آلاف فارس وسار بهم هو وصلاح الدين ابن أخيه. فلما قرب أسد الدين من مصر رحل الفرنج عنها عائدين إلى بلادهم بخفي حنين. فلما وصل أسد الدين إلى القاهرة دخل إلى العاضد فخلع عليه وعاد إلى المخيم بالخلعة وفرح بها أهل مصر وأجريت عليه وعلى عسكره الجرايات الكثيرة والاقامات الوافرة. ولم يمكن شاور المنع من ذلك لأنه رأى العساكر كثيرة مع شيركوه وهوى العاضد معهم، فلم يتجاسر على إظهار ما في نفسه وشرع يماطل أسد الدين في تقدير ما كان بذل لنور الدين من المال وإقطاع الجند وهو يركب كل يوم إلى أسد الدين ويسير معه ويعده ويمنيه. ثم أنه عزم على أن يعمل دعوة يدعو لها أسد الدين وجماعة من الأمراء الذين معه ويقبض عليهم ويستخدم من معهم من الجند فتمنع بهم البلاد من الفرنج، فنهاه ابنه الكامل وقال: والله لئن عزمت على هذا لأعرفن شيركوه، فقال له أبوه: والله لئن لم نفعل هذا لنقتلن جميعاً، فقال: صدقت ولكن نقتل ونحن مسلمون خير من أن نقتل وقد ملكها الفرنج، فإنه ليس بينك وبين عود الفرنج إلا أن يسمعوا بالقبض على شيركوه، وحينئذ لو مشى العاضد إلى نور الدين لم يرسل معه فارساً واحداً ويملكون البلاد؛ فترك ما كان عزم عليه.
ولما رأى العسكر النوري مطل شاور خافوا شره، واتفق صلاح الدين