الدين فهو هلاك الفرنج وإجلاؤهم من أرض الشام، فلم يقبلوا قوله وقالوا أنها لا مانع فيها ولا حامي، وإلى أن يجهز نور الدين عسكراً نكون قد ملكناها وفرغنا من أمرها وحينئذ يتمنى نور الجين منا السلامة. فسار معهم على كره وشرعوا يتجهزون ويظهرون أنهم يقصدون مدينة حمص. فلما سمع نور الدين شرع أيضاً في جمع عسكره. وجد الفرنج في السير إلى مصر ونازلوا مدينة بلبيس وملكوها قهراً ونهبوا فيها وأسروا وسبوا. وكان جماعة من أعيان المصريين قد كاتبوا الفرنج ووعدوهم النصرة عداوة منهم لشاور، منهم ابن الخياط وابن مرجلة، فقوي جنان الفرنج بهم، وساروا من بلبيس إلى مصر فنزلوا على القاهرة وحصروها، فخاف الناس منهم واقبلوا على الامتناع فحفظوا البلد وقاتلوا عليه وبذلوا جهدهم في حفظه. فلو أن الفرنج أحسنوا السيرة في بلبيس لملكوا مصر والقاهرة، ولكن الله حسن لهم ما فعلوا ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. وأمر شاور باحراقها مدينة مصر، وامر أهلها بالانتقال منها إلى القاهرة وان ينهب البلد، فانتقلوا وبقوا على الطرق ونهبت المدينة وافتقر أهلها وذهبت أموالهم ونعمتهم قبل نزول الفرنج عليهم بيوم أو يومين خوفاً أن يملكها الفرنج، وبقيت النار فيها أربعة وخمسين يوماً. فأرسل الخليفة العاضد إلى نور الدين يستغيث به ويعرفه ضعف المسلمين عن دفع الفرنج، وأرسل في الكتب شعور النساء وقال: هذه شعور نسائي من قصر تستغيث بك لتنقذهم من الفرنج. فشرع في تجهيز الجيوش.
وأما الفرنج فانهم اشتدوا في حصار القاهرة وضيقوا على أهلها وشاور هو المتولي للأمر والعساكر والقتال، فضاق به المر وضعف عن ردهم، فأخذ في إعمال الحيلة، فأرسل إلى ملك الفرنج يعرفه مودته له ومحبته القديمة، وأن هواه معه لخوفه من نور الدين ومن العاضد، وأن المسلمين لا يوافقونه على التسليم إليه، وبشر بالصلح على أن يعطيه ألف ألف دينار مصرية، يعجل البعض ويؤخر الباقي، فاستقرت القاعدة على ذلك. ورأى الفرنج أن البلاد قد امتنعت عليهم وربما سلمت إلى نور الدين، فأجابوا إلى ذلك فقالوا: نأخذ المال ونتقوى به ونعاود البلاد بقوة لا نبالي معها بنور الدين، ومكروا ومكر الله والله خير