للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على شاور مستهل رجب واعيد إلى الوزارة وتمكن منها، والقصة مشهورة ... (١)

وحدث ملك الفرنج نفسه بملك مصر وأخذ بلبيس وحكم عليها، وكان استقر بينهم وبين المصريين أن يكون لهم بالقاهرة شحنة (٢) وتكون أسوارها بيد فرسانهم ليمتنع نور الدين من إيفاد عسكر إليهم ويكون لهم من دخل مصر كل سنة مائة ألف دينار، وهذا كله استقر مع شاور فإن العاضد لم يكن له معه حكم، قد حجر عليه وحجبه عن الأمور كلها.

وعاد الفرنج إلى بلاد الساحل الشامي وتركوا بمصر جماعة من مشاهير فرسانهم. وكان الكامل شجاع بن شاور قد أرسل إلى نور الدين مع بعض الأمراء ينهي إليه محبته وولاءه ويسأله الدخول في طاعته، وضمن على نفسه أنه يجمع الكلمة بمصر على طاعته وبذل مالاً يحمله كل سنة، فأجابه إلى ذلك وحملوا إليه مالاً جزيلاً، فبقي الأمر على ذلك إلى أن قصد الفرنج مصر سنة أربع وستين.

وفي ربيع الأول من هذه السنة، سار أسد الدين شيركوه إلى ديار مصر ومعه العساكر النورية، وسبب ذلك ما ذكرناه من تمكن الفرنج وأنهم جعلوا لهم في القاهرة شحنة وتسلموا أبوابها وجعلوا فيها جماعة من فرسانهم وحكموا على المسلمين حكماً جائراً، فلما رأوا ذلك وأن البلاد ليس فيها من يردهم، ارسلوا إلى ملك الفرنج بالشام، وهو مري، ولم يكن للفرنج منذ ظهروا بالشام مثله شجاعةً ومكراً ودهاءً، يستدعونه ليمكلها واعلموه خلوها من ممانع وهونوا عليه أمرها، فلم يجبهم إلى ذلك، فاجتمع عنده فرسان الفرنج وذو الرأي وأشاروا عليه بقصدها، فقال لهم: الرأي عندي أنا لا نقصدها لنملكها فإن صاحبها وعساكره وعامة بلاده لا يسلمونها إلينا ويقاتلوننا دونها ويجعلهم الخوف على تسليمها إلى نور الدين، وأن أخذها وصار له فيها مثل أسد


(١) تتفق هذه الترجمة مع السابقة بعد ذلك حتى قوله: " فرجع عسكر نور الدين لى الشام ". وقد تضمنت النقل عن بهاء الدين ابن شداد والفقه عمارة والحافظ ابن عساكر.
(٢) الشحنة: ذخيرة الحرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>