للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إرادة ومشيئة، وهذه الإرادة والمشيئة لا تخرج عن إرادته ومشيئته سبحانه وتعالى، فعلى هذا أمر الله تعالى العباد واختبرهم وابتلاهم؛ فمنهم مَنْ أطاع-بمعنى: أنه أخذ بأسباب السعادة وقام بهذه الأسباب، وطلبها من الله تعالى؛ فأعانه عليها-ومنهم مَنْ حُرم مِنْ هذا.

والفضل مِنْ قبل ومن بَعد لله سبحانه وتعالى الذي هيَّأ للعبد هذه الأسباب من جهة، والذي أعانه على هذه الأمور من جهة، فعلى العبد أن يُوازن بين هذا وهذا، فالله قد أمر العبد وخَلق له إرادة، كما قال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان الآية: ٣ [؛ فهداه السبيل وركَّب فيه من أسباب الهداية ما ركَّب، وشاء أن يمتحنه؛ فإما أن يقوم بالطاعة أو يقوم بالمعصية، وكلا العبدين قد أوتي من القوة والصحة والأسباب ما يُعينه على فعل ما أراد، لكن هذا أعان على نفسه فاتَّبع أسباب الهداية فسار عليها، وذاك حَرَم نفسه فَوُكِل إليها، فالعبد بالتالي في حال جهاد مع نفسه، وفي حال مجاهدة مع قَدَر الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يعلم ما خاتمته التي يموت عليها، ولكنه يعلم أن الله تعالى قد جعل للجنة أسبابًا، وأمره بالأخذ بهذه الأسباب، فسبب دخول الجنة: الاستقامة على أوامر الله سبحانه وتعالى، ولذلك ذكر العلماء أن الباء في قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة الآية: ١٧]، هي باء السبب، وليست باء المقابلة والعِوض، فالجنة ليست ثمنًا لعمل العبد؛ قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة الآية: ١٧]، أي: بعملهم، أو بالذي كانوا يعملونه لأن (ما) في قوله: {بما كانوا يعملون} يصح أن تكون مصدرية، ويصح أن تكون اسمًا موصولًا، والباء هنا للسببية» (١).

وقال لأهل النار: {جزاء وفاقًا}، فكلٌّ يجازيه الله سبحانه وتعالى بحسب عمله.


(١) «تفسير العلامة محمد العثيمين»، تفسير سورة الواقعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>