للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بكبر الأيور، فينفقون أموالهم عليهم، ولا يصل الفقير والمتجمّل إليهم.

ولقد بلغني آنفا، وأنا بمصر، أنّ رجلا من الفقراء، اشتدّ عليه حكاكه، فطلب من يأتيه، فلم يقدر عليه، فخرج إلى الموضع الفلاني- قرية ذكرها، قريبة من مصر- فأقام بها [١٤٤] ، فكان إذا اجتاز به المجتازون، استغوى منهم من يمتاز بهذا الحال، فحمله على نفسه، وكان يعيش بالمجتاز بعد المجتاز، ويتمكّن من إرضائه بما لا يمكن بمصر، فعاش بذلك برهة، حتى جاءه يوما بغّاء آخر، فسكن معه في الموضع، فكان إذا جاء الغلام الذي يصلح لهذه الحال، تنافسا عليه، فأفسد على الأوّل أمره، فجاء إلى الثاني، فقال له: بيني وبينك، شيخنا ابن الأعجميّ الكاتب، رئيس البغّائين فجذبه إلى مصر، واحتكما إليه.

فقال: إنّي كنت لمّا اشتدّ بي أمري الذي تعرفه، ومنعني فقري من اتّخاذ الناكة بمصر، عدلت إلى الموضع الفلانيّ، فعملت كذا، وقصّ عليه القصّة، فجاء هذا، وصنع، وقصّ عليه القصّة، وشرح له أمره، فإن رأيت أن تحكم بيني وبينه، فاحكم.

فحكم بينهما ابن الأعجميّ، ومنع الثاني من المقام في الناحية، وقال:

ليس لك أن تفسد عليه عمله، وناحيته، اطلب لنفسك موضعا آخر.

فيمكن الناظريّ- أيّد الله مولانا [١٤٥] الأمير سيف الدولة- أن يستشفي بثلاثة آلاف درهم، أمرت له بها، في بلد هذه عزّة الناكة فيه، وكثرة البغّائين؟. هذا لو كان مقيما، فكيف وقد أنعمت عليه بالمسير، ويحتاج إلى بغال يركبها في الطريق بأجرة، وديون عليه يقضيها، ومؤن.

قال: فضحك ضحكا شديدا، من حكاية البغّائين، وحكم ابن الأعجميّ بينهما، وكان هذا من مشهوري كتّاب مصر، فقال: اجعلوها خمسة آلاف درهم.