للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٤٤ مسافر لا يفكر في قطع الطريق]

قال عبد الواحد بن نصر المخزومي «١» : أخبرني من أثق به أنّه خرج في طريق الشام، مسافرا يمشي وعليه مرقّعة، وهو في جماعة، نحو الثلاثين رجلا، كلّهم على هذه الصفة، قال: فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ، حسن الهيأة، معه حمار فاره يركبه، ومعه بغلان عليهما رحل، وقماش، ومتاع فاخر.

فقلنا له: يا هذا، إنّا لا نفكّر في خروج الأعراب علينا، فإنّه لا شيء معنا يؤخذ، وأنت لا تصلح لك صحبتنا، مع ما معك.

فقال: يكفينا الله.

ثم سار، ولم يقبل منّا، وكان إذا نزل يأكل، استدعى أكثرنا، فأطعمه وسقاه، وإذا أعيى الواحد منا، أركبه على أحد بغليه، وكانت الجماعة تخدمه وتكرمه، وتتدبّر برأيه.

إلى أن بلغنا موضعا، فخرج علينا نحو ثلاثين فارسا من الأعراب، فتفرّقنا عليهم، فقال الشيخ: لا تفعلوا، فتركناهم، ونزل، فجلس، وبين يديه سفرته، ففرشها، وجلس يأكل.

وأظلّتنا الخيل، فلما رأوا الطعام، دعاهم إليه، فجلسوا يأكلون، ثم حلّ رحله، وأخرج منه حلوى كثيرة، وتركها بين يدي الأعراب، فلما أكلوا، وشبعوا، جمدت أيديهم، وخدرت أرجلهم، ولم يتحرّكوا.