ومن ملح أخبار القاضي أحمد ابن أبي دؤاد، ما حكي «١» : أنّ المعتصم كان بالجوسق، مع ندمائه، وقد عزم على الاصطباح، فأمر كلّا منهم أن يطبخ قدرا، ونظر سلامة، غلام أحمد بن أبي دؤاد، فقال: هذا غلام ابن أبي دؤاد جاء ليعرف خبرنا، والساعة يأتي، فيقول: فلان الهاشمي، وفلان القرشي، وفلان الأنصاري، وفلان العربي، فيقطعنا بحوائجه عمّا كنّا عزمنا عليه، وأنا أشهدكم أنّي لا أقضي له اليوم حاجة.
فلم يكن بأسرع من أن دخل إيتاخ «٢» ، يستأذن لأحمد بن أبي دؤاد.
فقال لجلسائه: كيف ترون؟
قالوا: لا تأذن له يا أمير المؤمنين.
قال: سوأة لهذا الرأي، والله، لحمّى سنة، أسهل عليّ من ذلك.
فأذن له، فدخل، فما هو إلّا أن سلّم، وجلس، وتكلّم، حتى أسفر وجه المعتصم، وضحكت إليه جوارحه.
ثم قال: يا أبا عبد الله، قد طبخ كلّ واحد من هؤلاء قدرا، وقد جعلناك حكما في أطيبها.
قال: فلتحضر لآكل، وأحكم بعلم.
فأمر المعتصم بإحضارها، فأحضرت القدور بين يديه، وتقدّم القاضي أحمد بن أبي دؤاد، فجعل يأكل من أوّل قدر أكلا تاما.