أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز، قال: أخبرنا أبو القاسم عليّ بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قال: حدّثني عبيد الله بن أحمد بن بكير، قال:
كان لأبي الحسن المكّي، ابنة مقيمة بمكة، أشدّ ورعا منه، وكانت لا تقتات إلا ثلاثين درهما ينفذها إليها أبوها في كلّ سنة، مما يستفضله من ثمن الخوص الذي يسفّه «١» ويبيعه.
فأخبرني ابن الروّاس التمّار، وكان جاره، قال: جئته، أودّعه للحجّ، وأستعرض حاجته وأسأله أن يدعو لي.
فسلّم لي قرطاسا، وقال: تسأل بمكة في الموضع الفلاني عن فلانة، وتسلّم هذا إليها.
فعلمت أنّها ابنته، فأخذت القرطاس، وجئت، فسألت عنها، فوجدتها بالعبادة والزهد، أشدّ اشتهارا من أن تخفى.
فطمعت نفسي أن يصل إليها من مالي شيء يكون لي ثوابه، وعلمت أنّني إن دفعت إليها ذلك لم تأخذه، ففتحت القرطاس، وجعلت الثلاثين درهما، خمسين درهما، ورددته كما كان، وسلّمته إليها.
فقالت: أيّ شيء خبر أبي؟
فقلت: على السلامة.
فقالت: قد خالط أهل الدنيا، وترك الانقطاع إلى الله؟