قال: أراك قد أمعنت في هذا اللون، وستحكم لصاحبه قال: يا أمير المؤمنين، ليس بلقمة، ولا باثنتين، تدرك المعرفة بأخلاط الطعام، وعليّ أن أوفي كلّا حقّه من الذوق، ثم يقع الحكم بعد ذلك.
فتبسّم المعتصم، وقال: شأنك إذا.
فأكل من جميعها كما ذكر، ثم قال: أما هذه، فقد أجاد صاحبها، إذ كثّر خلّها وقلّل فلفلها، ليشتهي حمضها، وأما هذه فقد أحكمها طبّاخها، بتقليل مائها، وكثرة ربّها، وأقبل يصفها واحدة واحدة، حتى أتى على جميعها، بصفات سرّ بها أصحابها.
وأمر المعتصم بإحضار المائدة، فأكل مع القوم بأكلهم، أنظف أكل وأحسنه، فمرّة يحدّثهم بأخبار الأكلة في صدر الإسلام، مثل معاوية بن أبي سفيان، وسليمان بن عبد الملك، وعبيد الله بن زياد، والحجاج، ومرّة يحدّثهم عن أكلة دهره، مثل ميسرة الروّاس، وحاتم الكيّال، وإسحاق الحمامي، فلما رفعت الموائد قال له المعتصم: ألك حاجة يا أبا عبد الله؟.
قال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال: فاذكرها، فإنّ أصحابنا يريدون أن يتشاغلوا بقيّة يومهم.
فقال: رجل من أهلك يا أمير المؤمنين، قد وطئه الدهر، فغيّر من حاله، وخشّن معيشته.