آخره، فإذا لم يبق منه موضع إلّا شمّه، شال إحدى قوائمه، فوضعها على الرجل، حتى يفسّخه، فإذا علم أنّه قد تلف، شال قائمته، وقصد الآخر، ففعل به، مثل فعله بالأوّل.
وظلّ على هذا، إلى أن لم يبق غيري، وأنا جالس منتصب، أشاهد ما يجري، وأدعو، وأستغفر، ما طرحت نفسي، ولا هربت، إلى أن قصدني، فحين قرب مني، طرحت نفسي على ظهري، فجاء حتى تشمّمني من سائر أعضائي، أو أكثرها، كما فعل بأصحابي، ثم أعاد تشمّمي مرتين، أو ثلاثا، ولم يكن فعل ذلك بهم، ثم لفّ خرطومه عليّ، وشالني في الهواء، فقلت: هذه قتلة أخرى، يريد أن يقتلني بها، فما نحّى خرطومه عنّي، حتى جعلني فوق ظهره، فانتصبت جالسا، وحفظت [١٦٦] نفسي، وحمدت الله سبحانه على تأخرّ القتل، وجعلت أعجب مرّة، وأتوقّع القتل أخرى، والفيل يهرول، ويسرع، إلى أن أضاء الفجر، فوقف، وأصعد خرطومه إليّ، فقلت: حضر الأجل، فلفّه عليّ، وأنزلني على رفق إلى الأرض، وتركني عليها، وجعل يسعى في الطريق التي جاء منها، وأنا لا أصدّق.
فلما بعد عني، حتى لم أره، أقبلت أدعو وأصلّي، وتأمّلت موضعي، وإذا أنا على محجّة، فمشيت عليها نحو فرسخين، فإذا بلد عظيم، قد لاح لي، فقصدته، ودخلته، فإذا هو بلد من بلدان الهند عظيم، وذكر اسمه.
قال: فعجب أهله منّي، وسألوني عن قصّتي، فأخبرتهم بها، فزعموا أنّ الفيل، قد سار في هذه اللّيلة الواحدة، مسيرة أيّام.
وتسبّبت إلى الخروج من عندهم، والنقلة من بلد إلى بلد، حتى حصلت في بلدي سالما.