للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممنوع من لذة الإغماض، قول الشاعر:

إذا هتف القمريّ نازعني الهوى ... بشوق فلم أملك دموعي من الوجد

أبى الله إلّا أن يفرّق بيننا ... وكنّا كماء المزن شيب مع الشهد

لقد كان ما بيني زمانا وبينها ... كما كان بين المسك والعنبر الورد

فانتظم وصف ما كنا نتعاشر عليه، ونجري في مودتنا إليه، في شعره هذا، وذكرت أيضا، ما رماني به الدهر، من فرقة أعزّائي من أخواني الذين أنت أعزّهم، ويمتحنني بمن نأى من أحبائي وخلصائي الذين أنت أحبّهم وأخلصهم، ويجرّعنيه من مرارة نأيهم، وبعد لقائهم، وسألت الله أن يقرن آيات سروري بالقرب منك، ولين عيشي بسرعة أوبتك، وقلت أبياتا تقصر عن صفة وجدي، وكنه ما يتضمّنه قلبي، وهي:

بخدّي من قطر الدموع ندوب ... وبالقلب مني مذ نأيت وجيب

ولي نفس تحت الدجى يصدع الحشا ... ورجع حنين للفؤاد مذيب

ولي شاهد من ضرّ نفسي وسقمه ... يخبّر عنّي أنّني لكئيب

كأنّي لم أفجع بفرقة صاحب ... ولا غاب عن عيني سواك حبيب

فقلت لابن المدبّر: هذه رقعة عاشق، لا رقعة خادم، ورقعة غائب، لا رقعة حاضر.

فضحك، وقال: نحن ننبسط مع أبي عثمان إلى ما هو أرقّ من هذا وألطف، فأمّا الغيبة، فإنّنا نجتمع في كل ثلاثة أيّام، وتأخّر ذلك لشغل عرض لي، فخاطبني مخاطبة الغائب، وأقام انقطاع العادة، مقام الغيبة.

معجم الأدباء ٦/٦٧