للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشهد عند القاضي بها، وقد وفد إلى باب عضد الدولة، قبل ذلك، وأقام، وكان خادما له، فيما يخدم فيه التجار، يختصّه بعض الاختصاص.

فأقبل، وكان بين يدي، الدست التمريّ، الذي يوضع بين يديّ في كل يوم، وفيه من الأشربة المحلّلة، ما جرت عادتي بشرب اليسير منه بين يدي عضد الدولة، على سبيل المنادمة والمؤانسة والمباسطة، وكان قد سامني وألزمني ذلك، بعد امتناعي منه شهورا، حتى تهدّدني وأخافني.

فقال لي: يا قاضي، إنّ هذا الرجل الذي استؤذن له، عامّي، جاهل بالعلم، وإنّما استخدمته رعاية لحرمات له عليّ، ولأنّه كان يخدم أمّي في البزّ، ويدخل إليها بإذن ركن الدولة، لتقاه وأمانته، فلا تستتر عنه، وهذا قبل أن أولد، فلما ولدت كان يحملني على كتفه، إلى أن ترجّلت، ثم صار يشتري البزّ، ويبيعه عليّ، واستمرّت خدمته لحرمته، وهو قاطن بالبصرة، ولعلّه يدخل فيرى ما بين يديك، فيظنّه خمرا، فيرجع إلى البصرة، فيخبر قاضيها وشهودها بذلك، فيقدح فيك، ومحلّه يوجب أن يكشف لك عذرك، ولكن أزح الدست الذي بين يديك حتى يصير بين يدي أبي عبد الله بن المنجّم- وكان أبو عبد الله بن إسحاق بن المنجم، يجلس دوني بفسحة في المجلس- فإذا دخل رأى الدست بين يديه دونك، فلم يقدر على حكاية يطعن بها عليك.

فقبّلت الأرض شكرا لهذا التطوّل في الإنعام، وباعدت الدست إلى أبي عبد الله.

ثم قال: أدخلوه، فأدخلوه، وشاهد المجلس، وهنّأ، ودعا، وأعطى دينارا ودرهما كبيرين، فيهما عدّة مثاقيل، وانصرف.

قال أبو عليّ، ويقرب من هذا ما عاملني به الوزير أبو محمد المهلّبي،