للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاستدعى غلاما، فقال: خذ بيد هذا الرجل، وغيّر ثيابه، وبخّره، وقدّم إليه ما يأكله، وجئنا به.

فأخذني الغلام، ففعل بي ذلك، وعدت، وتركت بين يدي صينيّة، واندفعت الجارية تغني بنشاط وسرور وانبساط، واستدعت النبيذ، فشربت وشربنا، وأخذت أقترح عليها الأصوات الجياد، فتضاعف سرور الرجل.

وما زلنا على ذلك، أيّاما، إلى أن بلغنا نهر معقل، ونحن سكارى، فشدّ الزلّال في الشط، وأخذتني بولة، فصعدت إلى ضفة نهر معقل لأبول، فحملني السكر على النوم فيها، ودفع الزلّال، وأنا لا أعلم، وأصبحوا فلم يجدوني، ودخلوا البصرة، ولم أنتبه إلا بحر الشمس، فجئت إلى الشط، فلم أر لهم عينا ولا أثرا.

وقد كنت أجللت الرجل أن أسأله بمن يعرف، وأين داره في البصرة، واحتشمت أن أسأل غلمانه عن ذلك، فبقيت على شاطئ نهر معقل، كأوّل يوم بدأت بي المحنة، وكأنّ ما كنت فيه منام.

واجتازت بي سميريّة، فركبت فيها، ودخلت البصرة، وما كنت دخلتها قط، فنزلت خانا، وبقيت متحيّرا، لا أدري ما أعمل، ولم يتوجّه لي معاش.

إلى أن اجتاز بي يوما إنسان عرفته من بغداد، فتبعته لأكشف له حالي، وأستميحه، فأنفت من ذلك، ودخل الرجل إلى منزله، فعرفته، وجئت إلى بقّال كان هناك، على باب الخان الذي نزلته، فأعطيته دانقا، وأخذت منه ورقة دواة، وجلست أكتب رقعة إلى الرجل.

فاستحسن البقّال خطّي، ورأى رثاثة حالي، فسألني عن أمري، فأخبرته انني رجل ممتحن فقير، وقد تعذّر علي التصرّف، وما بقي معي شيء، ولم أشرح له أكثر من ذلك.