للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأعطيتها درهمين، فتغنّت وجلست حتى أخذته، وانصرفت، ولهوت يومي ذلك، وكرهت أن أتغنّى الصوت، فأصبحت وما أذكر منه حرفا واحدا. وإذا أنا بالسوداء قد طلعت، ففعلت كفعلها الأول، إلّا أنها غنّت غير ذلك الصوت.

فنهضت وعدوت في إثرها، فقلت: الصوت قد ذهبت عليّ منه نغمة.

قالت: مثلك لا تذهب عليه نغمة، فتبيّن بعضه ببعض، وأبت أن تعيده إلّا بدرهمين، فأعطيتها ذلك، فأعادته، فتذكرته.

فقلت: حسبك.

قالت: كأنّك تستكثر فيه أربعة دراهم، كأنّي والله بك، وقد أصبت به أربعة آلاف دينار.

قال ابن جامع: فبينا أنا أغنّي الرشيد يوما، وبين يديه أكياس، في كلّ كيس ألف دينار، إذ قال: من أطربني فله كيس، فغنيته الصوت، فرمى لي بكيس.

ثم قال: أعد، فأعدت، فرمى لي بكيس.

وقال: أعد، فأعدت، فرمى لي بكيس، فتبسمت.

فقال: ما يضحكك؟.

قلت: يا أمير المؤمنين لهذا الصوت حديث أعجب منه، وحدّثته الحديث.

فضحك، ورمى إليّ الكيس الرابع، وقال: لا نكذّب قول السوداء.

فرجعت بأربعة آلاف دينار.

مصارع العشاق ٢/٣٨