للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: كيف أبكي على ما سبيلي أسرّ به، حيث جعلتني أهلا لقبوله؟

قال: فقلت: فلم تبكي؟

قال: لم تبق مرتبة تنال، إلّا وقد نلتها، وبلغتها، بفضل أمير المؤمنين، وتطوّله، حتى انتهت بي الحال، إلى أن وصلت، من مال أمير المؤمنين، بأمره، وعن أمره، في ليلة واحدة، وهي ليلة ورد الخبر بوفاة أمير المؤمنين المنصور صلوات الله عليه، وأخذت بيعة ثانية لأمير المؤمنين على الناس، بعشرة آلاف ألف درهم، وفي هذه العلّة، تصدّقت بجميع ما في خزانتي من المال، وكان أربعة آلاف ألف، بعد أن أستأذنت أمير المؤمنين، فأذن لي، ولم يكن بقي، إلّا أن يعودني أمير المؤمنين في علّة، أو يهنئني بحال مسجددة، أو يصير إلى دعوتي، فلمّا كان اليوم، جمع أمير المؤمنين لي ذلك، فعلمت أنّي قد بلغت النهاية، وأنه ليس بعدها إلّا الانحطاط، فبكيت لذلك [٥٣] .

قال: فرققت له، وعلمت فضله، وقلت له: أمّا في أيامي، فأنت آمن ذلك، وإن أصابك شيء بعدي، فالحياة- على كلّ حال- خير من الموت، ولك بي أسوة.

واعتقدت أن لا أنكبه.

فلما رأى الربيع «١» عظم منزلته، حسده، فجدّ في السعاية إليّ به، والفساد بيننا، والحيلة عليه عندي، إلى أن جرى في أمر ابنه، وإقراره بالزندقة، ما لم يسع معه، أن لا يقتل، فقتلته، وخفت أن يكون قد استوحش لذلك فلم آمنه على نفسي، فاحتجت إلى صرفه، فصرفته، وحرست نفسه، وبقيت نعمته، واستحال الأمر عما عقدته له.

وكان الأمر على ما ظنّه، من النقصان بعد التناهي.