للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فحين قلتها سجد الرشيد، فوقع لي إنّه قد رأى بعض أولاده الذكور على ذلك، وإنّ الذي أشار إليّ بالاستغاثة، هو الابن الزاني.

قال: ثم رفع رأسه، فقال: ومن أين قلت هذا؟

قلت: لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وهذه شبهة يسقط الحد معها.

فقال: وأي شبهة مع المعاينة؟

قلت: ليس توجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى، والحكم في الحدود لا يكون بالعلم.

قال: ولم؟

قلت: لأن الحدّ حقّ الله تعالى، والإمام مأمور بإقامة الحدّ، فكأنّه قد صار حقا له، وليس لأحد أخذ حقّه بعلمه، ولا تناوله بيده، وقد أجمع المسلمون على وقوع الحدّ بالإقرار والبيّنة، ولم يجمعوا على إيقاعه بالعلم.

قال: فسجد مرّة أخرى، وأمر لي بمال جليل، ورزق في الفقهاء في كل شهر، وأن ألزم الدار.

قال: فما خرجت، حتى جاءتني هديّة الفتى، وهديّة أمّه، وأسبابه، فحصل لي من ذلك، ما صار أصلا للنعمة، وانضاف رزق الخليفة، إلى ما كان يجريه عليّ ذلك القائد.

ولزمت الدار، فكان هذا الخادم يستفتيني، وهذا يشاورني، فأفتي وأشير، فصارت لي مكنة فيهم، وحرمة بهم، وصلاتهم تصل إليّ، وحالتي تقوى.

ثم استدعاني الخليفة، وطاولني، واستفتاني في خواصّ أمره، وأنس بي.

فلم تزل حالي تقوى معه، حتى قلّدني قضاء القضاة.