للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت: يا مولاي، حاشاه، أيّ شيء عمل؟ أعيذك بالله يا مولاي، إلعن إبليس.

فقال: ويحك، أنا أبصر بما أقوله، أنا رجل قد سست الأمور، وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد، ولا بدّ من موتي، وأعلم أن الناس بعد موتي لا يختارون إلّا ولدي، وأنهم سيجلسون ابني عليّا- يعني المكتفي «١» - وما أظن عمره يطول، للعلّة التي به، قال صافي، يعني الخنازير التي كانت في حلقه، فيتلف عن قريب، ولا يرى الناس إخراجها عن ولدي، ولا يجدون بعده منهم أكبر من جعفر، فيجلسونه وهو صبيّ، وله من الطبع في السخاء، هذا الذي قد رأيت من أنّه أطعم الصبيان مثلما أكل، وساوى بينه وبينهم، في شيء عزيز في [٩٣ ب] العالم، والشحّ على مثله في طباع الصبيان، فتحتوي عليه النساء، لقرب عهده بهنّ، فيقسم ما جمعته من الأموال، كما قسم العنب، ويبذّر ارتفاع الدنيا ويخربها، فتضيع الثغور، وتنتشر الأمور وتخرج الخوارج، وتحدث الأسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس أصلا.

فقلت: يا مولاي بل يبقيك الله، حتى ينشأ في حياتك، ويصير كهلا في أيّامك، ويتأدّب بآدابك، ويتخلّق بخلقك، ولا يكون هذا الذي ظننت.

فقال: احفظ عنّي ما أقوله، فإنّه كما قلت.

قال: ومكث يومه مهموما.

وضرب الدهر ضربه، ومات المعتضد، وولي المكتفي، فلم يطل