فقام إليه شيخ كان حاضرا، فقال: أيّها القاضي، إنّ هذا مال عظيم، فكم أنفذ إلينا أمير المؤمنين معك؟ فقال: خمسة آلاف ألف درهم.
فالتفت الشيخ إلى نفسين في المجلس، فقال: قوما، فقاما.
فقال: أيّها القاضي هذان، قد ذهب منهما، في أثمان عقاريهما، ورؤوس أموالهما، خمسة آلاف ألف درهم، أليس هكذا يا معشر المسلمين؟، واستشهد الحاضرين، فقالوا: نعم.
فقال:[١٣٨ ط] أيّها القاضي، إذا كان هذان، وهما نفسان، من جميع من قد حضر، قد ذهب منهما قدر ما حمله أمير المؤمنين، فالباقون من أين يأخذون؟
قال: فتحيّر ابن أبي دؤاد، وقال: ما ترون في هذا؟
فقالوا: الرأي لك.
قال: فقال أولئك النفسان: أمّا نحن، فما نريد شيئا، ولا نسأل الخلف، إلّا من الله عزّ وجل، ولا نطلبه إلّا من فضله، ولكنّا نشير عليك أيّها القاضي، فقال: افعلا.
قالا: تجعل هذا المال، مقسوما بين أهل البضائع [اليسيرة] ، وصغار الناس، فإن رغب أحد من الأكابر، في أن يشارك الأصاغر فيه، فإن ذاك إليه وإليك.
قال: فقام خلق كثير، فقالوا: أمّا نحن، فما نريد شيئا، اجعله للأصاغر، وانصرفوا.
ففضّ المال، على أرباب البضائع اليسيرة، ثم لم يكف، واحتيج لهذا إلى أضعاف ما حمل من المال.
فلما نفد المال، خرج ابن أبي دؤاد ليلا، لكثرة الازدحام عليه، والطلب منه، ونفاد ما عنده «١» .