للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ثم حملت إلى دار البلاط، فرأيت الأسارى، وكأنّ وجوههم قد أخرجت من القبور، تشهد بالضرّ [الشديد والجهد الجهيد] «١» وما كانوا فيه من العذاب [إلى حين قدومنا] «٢» إلّا أنّهم مرفّهون في ذلك الوقت، وتأمّلت ثيابهم، فإذا جميعها [٢٠ ب] جدد، فعلمت أنّي منعت من الوصول تلك الأيّام حتى غيّر زيّ الأسارى [وأصلح أمرهم] «٣» .

وقال لي الأسرى: نحن للملكين شاكرون، فعل الله بهما وصنع، وأو مأوا إليّ: إنّ الأمر كان كما بلغكم، ولكنّه خفّف عنّا، وأحسن إلينا، بعد حصولك هاهنا.

وقالوا لي كيف عرفت حالنا؟ ومن تنبّه علينا، وأنفذك بسببنا؟

فقلت لهم: ولي الوزارة عليّ بن عيسى فبلغه ذلك، فأنفذ من بغداد، وفعل كذا وكذا.

قال: فضجّوا بالدعاء إلى الله تعالى للوزير، وسمعت امرأة منهم تقول: مرّ يا عليّ بن عيسى لا نسي الله لك هذا الفعل «٤» .

قال: فلما سمع ذلك عليّ بن عيسى أجهش بالبكاء، وسجد حمدا لله سبحانه وتعالى، وبرّ الرسول، وصرفه.

فقلت له: أيّها الوزير، أسمعك دائما تتبرّم بالوزارة، وتتمنى الانصراف عنها في خلواتك خوفا من [١٨ ط] آثامها، فلو كنت في بيتك، هل كنت تقدر أن تحصّل هذا الثواب ولو أنفقت فيه أكثر مالك؟ فلا تفعل، ولا تتبرّم بهذا الأمر فلعلّ الله يمكّنك ويجري على يديك أمثال هذا الفعل، فتفوز بثوابه في الآخرة، كما تفرّدت بشرف الوزارة في الدنيا.