للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما توسّطوا الشراب، أحضر باكورة «١» ، فقبّلها، ثم أقبل عليهما، وقال: الإنصاف أن أقسمها أثلاثا، ولكنّي قد وفّرت قسمي عليكما يا سيّديّ، فاقتسماها أنتما.

فأخذها الحسين بن القاسم، فقال: يا سيّدي، يا أبا جعفر، هذه تحبّ أن آخذ أنا ثلثيها، وأعطيك ثلثها؟

فقال الكرخي: فعلام يا سيّدي؟

فقال: لأنّك، أنت وأخوك، ولدتما توأما، فأنت نصف توأم، وأنا تامّ لأنّي ولدت وحدي، ولو كان أخوك حاضرا، لكان لي ولك وله أثلاثا، ومع غيبته، فأنت لا تستحقّ أكثر من الثلث.

فقال له أبو جعفر: ما أعجب هذا، أنت رجل كان جدّك نصرانيا، يعتقد أنّ الله ثالث ثلاثة، ونشأ أبوك فصار ثنويا، وترك مرتبة، ونشأت أنت فكان القياس أن تترك مرتبة واحدة أخرى، ولكنّك تركت مرتبتين، فنشأت ملحدا، لا تعتقد شيئا أصلا، ولم نعيّرك بذلك، تعيّرنا أنت [١٢٥] بالتوأم، ولا ذنب لنا فيه، وما هو عار على الحقيقة.

فغضب الحسين بن القاسم، وابتدر ليجيب.

فقام دلويه، وقال: الطلاق ثلاثا، لازم لي، وكلّ ما أملكه صدقة، إن أجبت يا سيّدي بشيء، ولا تكلّمت أنت يا سيّدي، يا أبا جعفر بشيء، فإنّ هذا يخرج الآن عن المزاح إلى العربدة، والأحقاد، والوحشة التي تبقى، وقدركما يرتفع عن هذا.

قال: فسكتا ساعة واجمين، ولم يزل أبو محمد، يداريهما، ويبسطهما، ويستعطف كل واحد منهما لصاحبه، حتى اصطلحا.