للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اقتضاه الأمر بالغسل، فكان يكون حينئذ يجب استعمالهما على أعمهما حكما وأكثرهما فائدة وهو الغسل لأنه يأتي على المسح والمسح لا ينتظم الغسل، وأيضاً لما حدد الرجلين بقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} كما قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} دل على استيعاب الجميع، كما دل ذكر الأيدي إلى المرافق على استيعابهما بالغسل، أما المسح فلا يستوعب ذلك (١).

ثانياً: أن المسح والغسل محتمل على كلا القراءتين، فلا يخلو حينئذ القول من أحد معان ثلاثة: إما أن يقال: إن المراد هما جميعا مجموعان، فيكون عليه أن يمسح ويغسل فيجمعهما، أو أن يكون أحدهما على وجه التخيير يفعل المتوضئ أيهما شاء، ويكون ما يفعله هو المفروض، أو يكون المراد أحدهما بعينه لا على وجه التخيير.

وغير جائز أن يكونا هما جميعاً على وجه الجمع لاتفاق الجميع على خلافه؛ ولا جائز أيضاً أن يكون المراد أحدهما على وجه التخيير؛ إذ ليس في الآية ذكر التخيير ولا دلالة عليه ولو جاز إثبات التخيير مع عدم لفظ التخيير في الآية لجاز إثبات الجمع مع عدم لفظ الجمع، فبطل التخيير بما وصفنا.

وإذا انتفى التخيير والجمع لم يبق إلا أن يكون المراد أحدهما لا على وجه التخيير، فاحتجنا إلى طلب الدليل على المراد منهما؛ فالدليل على أن المراد الغسل دون المسح اتفاق الجميع على أنه إذا غسل فقد أدى فرضه وأتى بالمراد وأنه غير ملوم على ترك المسح، فثبت أن المراد الغسل (٢).

ثالثاً: مع احتمال المعنيين تكون هذه الآية من قبيل المُجمَل الذي يحتاج إلى بيان، وقد ورد البيان عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بالغسل قولاً وفعلاً،


(١) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٤٣٥).
(٢) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٤٣٤).

<<  <   >  >>