(وِ) الثاني: (وَقْفُهَا عَلَى المُسْلِمِينَ) بلفظٍ من ألفاظ الوقف؛ لأن الوقف لا يثبت بنفسه، (ضَارِباً) أي: الإمام (عَلَيْهَا خَرَاجاً مُسْتَمِرًّا، يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ)، من مسلم وذمي، فيمتنع بيعها وهبتها كسائر الوقوف، ويكون أجرة لها في كل عام، كما فعل عمر - رضي الله عنه - فيما فتحه من أرض الشام والعراق ومصر، وقال رضي الله عنه:«أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا»[البخاري ٤٢٣٥] أي: كالخزانة يقتسمون ما فيها كل وقت.
واختار شيخ الإسلام وابن القيم هذا القول، لكن قالا: إن المراد بالوقف هنا ليس هو الوقف الاصطلاحي؛ لأن الأرض الخراجية تورث بالاتفاق وتوهب، والوقف لا يورث ولا يوهب، قال ابن القيم:(ومنشأ الشبهة: أنهم ظنوا أن وقفها بمنزلة سائر الأوقاف التي تجري مجرى إعتاق العبد وتحريره لله، وهذا غلط، بل معنى وقفها تركها على حالها لم يقسمها بين الغانمين، لا أنه أنشأ تحبيسها وتسبيلها على المسلمين، هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عمر ولا أحد من الأئمة بعده)، وعلى هذا فيجوز بيعها وهبتها.
الضرب الثاني: الأرض التي جَلَا عنها خوفًا وفزعاً منا: تصير وقفًا، بمجرد الظهور عليها؛ لأنها ليست غنيمة فتُقْسَم، فيكون حكمها حكم الفيء، وتكون للمسلمين كلهم.