وأما حديث جابر - رضي الله عنه -: «كَانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»[أبوداود ١٩٢]، فهو حديث عام، وحديث جابر والبراء خاصَّانِ، والخاص يقدم على العام، وظاهر حديث البراء أنه كان بعد نسخ الوضوء مما مست النار لا قبله، قال شيخ الإسلام:(بيَّن فيه أنه لا يجب الوضوء من لحوم الغنم، وقد أمر فيه بالوضوء من لحوم الإبل، فعلم أن الأمر بذلك بعد النسخ).
- فرع: ينقض لحم الإبل خاصة دون بقية أجزائه، كالكبد والطِّحال والسَّنام ونحوها، وكذا شرب لبنها ومرق لحمها؛ لأنه تعبدي لا يعقل معناه، فلا يتعدى إلى غيره، والنص لم يتناوله.
واختار شيخ الإسلام وابن القيم: أن العلة معقولة المعنى، وهي لما في لحم الإبل من القوة الشيطانية، لحديث أبي لاسٍ الخزاعي مرفوعاً:«مَا مِنْ بَعِيرِ إِلَّا عَلَى ذُرْوَتِهِ شَيْطَانٌ»[أحمد ١٧٩٣٨]، قال شيخ الإسلام:(فيها من القوة الشيطانية ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «فَإِنَّهَا جِنٌّ مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ»[مسند الشافعي ١/ ٢١]، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود [٤٧٨٤]: «إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ»، فأمر بالتوضؤ من الأمر العارض من الشيطان، فأكل لحمها يورث قوة شيطانية تزول بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحمها).