وقالت المعتزلة: إن الحكم موجود قبل الشرع أي متعلق تنجيزياً بمَن وجد قبل البعثة لأن العقل كافٍ في إدراك الأحكام الشرعية بناء على قاعدتهم "التحسين والتقبيح العقليين" واتفقوا على أن الضروري من الأفعال كتنفس الهواء مباح لحكم العقل بالاضطرار إليه. ثم اختلفوا في الاختياري من الأفعال كأكل الفاكهة. أما ما ظهرت مفسدة فعله سمّوه محظوراً. وما كان في تركه مفسدة كان واجباً. وما اشتمل فعله على مصلحة ولم يترتب على تركه مفسدة سمّوه مندوباً. وما اشتمل تركه على مصلحة ولم يترتب على فعله مفسدة كان مكروهاً. وما لا يشتمل تركه وفعله على مفسدة أو مصلحة كان مباحاً. وأما الذي لم يظهر دليل يخصّه بمصلحة أو مفسدة اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال: ١ - أنه محظور لأنه تصرّف في مُلْك الغير بدون إذنه، ولم يقم دليل على إذن الله فيه وإلى هذا ذهبت معتزلة بغداد وطائفة من الإمامية وأبو علي بن أبي هريرة من الشافعية. ٢ - أنه مباح وذلك لأن الله خلق كل ما في الوجود من أجل ابن آدم {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} فالإذن في الاستعمال حاصل وبه قال الجبائيان وأبو الحسين البصري من معتزلة البصرة. ٣ - التوقف: لتعارض دليلي مذهب الحظر ومذهب الإباحة وبه قال الإمام والصيرفي والأشعري انظر المعتمد ٢/ ٨٦٨، المستصفى ١/ ٦٣، نهاية السول ١/ ١٢٤. (٢) عبارة الإِمام في المحصول والمنتخب أنه غير ممنوع منه قطعاً إلا إذا جوّزنا التكليف بما لا يطاق وعبارة القاضي الأرموي مخالفة لأن الغير ممنوع لا يعني أنه مأذون فيه لأن المأذون فيه مباح، وهنا لا يثبت إلا بالشرع. ونبّه على ذلك الأسنوي ١/ ١٢٤. (٣) ما بين القوسين إضافة منّي توضيحاً للمعنى. (٤) قد ظهر الاعتزال في البصرة على يد واصل بن عطاء ثم عمرو بن عبيد. وظهر لواصل بن عطاء تلاميذ حملوا مذهبه. لكن عمرو بن عبيد نظراً لزهده لم يكن له تلاميذ. وكان من أشهر تلاميذ واصل بن عطاء عثمان الطويل. وتتلمذ على عثمان الطويل رؤساء الاعتزال ومنهم أبو الهذيل العلَّاف وأبو بكر الأصم ومعتمر بن عباد وتتلمذ في البصرة على أبي الهذيل النظام والإسواري والشحام شيخ الجبائيين والفوطي شيخ عبَّاد بن سليمان.=