- رحمه الله- متناسباً مع ما ساد في ذلك القرن فشارك وأدلى بدلوه مع من أدلى، ولقد انتهى علم الأصول في القرن السادس إلى كتاب المحصول لفخر الدين الرازي، والِإحكام لسيف الدين الآمدي، وقد حظي كتاب المحصول بما لم يحظ به كتاب سيف الدين الأمدي من الشرح والتعليق.
والقاضي الأرموي الحاذق لفن المنطق والحكمة المجيد لعلم الكلام خير من تمتد يده إلى المحصول، ولذا فقد كان مختصراً متميزاً عن غيره من المختصرات، بأنه التزم منهجاً رسمه في صدر كتابه مقيداً بقوانين وضوابط، تدل على الدقة في الفهم والبراعة في التصنيف والترتيب والتقسيم إلى أبواب وفصول ومسائل وفروع، وكان يبدي من الملاحظات ما يدل على علو كعبه ورسوخ قدمه فيِ فن الأصول، ولذا فاق مختصره المحصول سائر المختصرات تنظيماً وترتيباً وتنبيهاً على مشكلاتٍ، وحلاً لعويصات ودفعاً لإيهام قد يرد على بعض الأدلة والحدود. وأسئلته الواردة فيه تشهد له بذلك.
لم يكتف القاضي الأرموي بهذا الكتاب الذي اشتهر به كأصولي، بل وجدت له كتاباً آخر لا يشعر اسمه في فهارس المكتبات بحاله ولا ينبئ عما فيه، فالعنوان لا يناسب المحتوى، فقد سموه في الفهارس بأسئلة القاضي الأرموي على المحصول، فيتبادر للذهن أن المقصود هو الأسئلة التي أوردها القاضي سراج الدين الأرموي داخل التحصيل، ولكن الواقع والحال بعد أن نظرتها، وجدت أن البون شاسع والفارق عظيم والذي وجدته شرح للمحصول، ولكن الموجود في دار الكتب المصرية ليس مستوعباً لجميع المحصول وقد سماه القاضي الأرموي في بدايته:(مقاصد العقول من معاقد المحصول) وهو كتاب عظيم فصلت التعريف به في مصنفاته.
وقد ساهم في هذا الفن أيضاً برسالةٍ في أمثلة التعارض في أصول الفقه، وقد حررت ما تحتويه في مصنفاته، وذكرت أنها ليست شاملة لجميع أمثلة التعارض، بل هي في عشر مسائل في دلالات الألفاظ فقط.
فالقاضي الأرموي- رحمه الله- بما قدم للمكتبة الِإسلامية في هذا الفن استحق أن يوسم بالانتساب لعلمائه، وأن يجلس معهم جنباً إلى جنب،