للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمهم فتنة قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحلون الحرام" (١). الخبر يفيد ظن الضرر في التمسك بالقياس فيجب الاحتراز عنه لما ذكرتم.

وبإجماع الصَّحَابَة إذ ذم بعضهم القياس ولم ينكر أحد، وبإجماع العترة، وبأن العمل (٢) بالقياس يوجب الاختلاف, لأنه تمسك بالأمارات، وهو منهي عنه بقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا} (٣) وبأن الرَّجل لو قال: أعتقت غانمًا لسواده فقيسوا عليه لم يعتق سائر عبيدة السود.

واحتج النظَّام على مذهبه بأن مدار شرعنا على الجمع بَيْن المختلفات والفرق بين المتماثلات، فإنَّه فرق بين الأزمنة وبين الأمكنة في الشرف مع الاستواء في الحقيقة، وجمع بين الماء والتراب في الطهورية مع الاختلاف في الغسل والتنظيف وفرض الغسل من المني والرجيع أنتن (٤). ونهى عن إرسال السبع على مثله وأقوى منه، وأباحه على البهيمة الضعيفة، وجوَّز للمسافر قصر الأربع دون الاثنتين (٥)، وأوجب قضاء الصوم على الحائض والصلاة أعظم قدرًا، وجعل الحرة الشوهاء تحصن ويحرم النظر إليها دون الجواري الحسان، وقطع سارق القليل دون غاصب الكثير، وجلد من قذف بالزنا دون من قذف بالكفر، وقبل شاهدين في القتل والكفر دون الزنا، وجلد قاذف الحر الفاجر دون العبد العفيف، وفرق بين الموت والطلاق في العدة وبين الحرة والأمة في الاستبراء، وأوجب بخروج الريح غسل غير ذلك المخرج (٦)، إذا ثبت هذا وجب أن لا يصح القياس, لأن مبناه على أن الصورتين لما اشتركتا في الحكمة وجب اشتراكهما في الحكم وهو باطل.


(١) رواه الطَّبْرَانِيّ والبزار ورجاله رجال الصحيح وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
انظر: (مجمع الزوائد ١/ ١٧٩، جامع بيان العلم ٢/ ١٣٤).
(٢) هذا هو دليل العقل.
(٣) [الأنفال: ٤٦].
(٤) في "أ" (أبين) بدل (أنتن).
(٥) في جميع النسخ اثنتين.
(٦) في "ب، د، جـ" (الموضع) بدل (المخرج).

<<  <  ج: ص:  >  >>