للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفضل والعلم والأدب من قومهم لقعودهم بالضرورة والعجز عن مثل الذي ساروا إليه، وهم بالعلم والأدب أَقْوَم، وعليه أحرص، وطبائعهم إليه أشد انبعاثًا.

[الشباب والسياسة]

في يوم الخميس السالف (٤ يناير سنة ١٩٤٠) ألقى بهي الدين بركات باشا محاضرة عظيمة القدر درس فيها معنى "السياسة" وحق "الشباب" في المساهمة في أصولها وفروعها، ودافع عن حرية الشاب في أن يهتم "بالعمل العام الذي يتصل في وقت من الأوقات بتسيير دفة الحكم في البلاد". وهذا هو تعريف السياسة عنده، وبذلك يخرج منها النزاع الحزبي الذي شهدته السياسة المصرية خاصة، على وجه من التنابذ والتعادي والتسفيه والاعتداء على حرية الفرد وحرية الجماعة. فإذا أُخرج هذا الضرب من معنى السياسة أوجب العقل أن يكون لكل أحد الحق في أن يشارك أصحاب الرأي في آرائهم، بل إن الشعور بالحرية الفطرية توجب عليه أن يشارك بالرأي وأنْ يُضَحِّيَ في سبيل المبدأ الوطني العام الذي لا تقوم الدولة إلا بقيام معانيه في أعمال الأفراد والجماعات، وقد ناقش المحاضرُ جماعةً من الأساتذة ولكنهم في مناقشتهم كانوا لا يزالون متأثرين بالمعنى (المصريّ القديم) للسياسة، وغفلوا عن الغرض الذي رمت إليه محاضرة المحاضر في الفصل بين ما كان وما يجب أن يكون عليه معنى السياسة، وكيف يشارك الشباب فيها بالرأي والعمل. والسياسة -كما قال عزام بك في موقفه- لا يمكن أن تكون بحثًا فلسفيا مجردًا، لأن الإيمان بعقيدة ما يقتضي التضحية في سبيل الدفاع عنها، فإذا كانت السياسة عملًا قوميا يراد به المصلحة العامة ومجد الوطن، فهي أمر يستحق كل تضحية. وأما إذا صارت السياسة إلى المعنى الذي شهدناه في مصر من الخلاف الحزبي على مطامع الحكم فهي أمر لا يستحق أتفه التضحية.

ونحن نعتقد أن الإنسان الحر لا يعرف معنىً لهذا السؤال القديم: "هل ينبغي أن يشتغل الشاب بالسياسة أو لا ينبغي؟ " فهو سؤال عليه سيمياء الذل والعبودية! إن كل أحد في مصر وغيرها من بلاد العالم -شابًّا أو شيخًا، غنيًّا