هذه بلادنا: العراق، وسورية، ولبنان، وفلسطن، وشرق الأردن، وجزيرة العرب، واليمن، ومصر والسودان، وبرقة، وطرابلس، وتونس، والجزائر، ومراكش -هذه بلاد العرب التي ينطق أهلها اللسان العربي ويدين أكثرهم بالإسلام، فهما من أجل ذلك جبهة واحدة ممتدة من الشرق إلى الغرب، وتملأ رحابها أكبر قارة على وجه هذه الأرض. وهي جميعًا أرض بكر لم ينبش العلم ذخائرها المدفونة تحت ثراها الغني، ولم تنل يده إلا قليلا مما تقله أرضها من حيوان ونبات، ولم تنفطر روحها بعد عن الإنسان الجديد الذي انساح فيها من قبل يوما ما، فملأها عدلا وكانت ملء جنباتها ظلمًا وعدوانًا وبغيًا وكفرًا بالله، ثم بالطبيعة البشرية المطهرة من أدران الحقد والأثرة والجشع وقلة الإنصاف.
فلنلق نظرة عليها جميعًا بلدًا بلدًا، لنر ماذا فعل الله بأهلها، وماذا كتب عليهم، وماذا قدر لهم.
فالعراق أغنى مشارف الجزيرة العربية وأكرمها تربة، وقد نزلت عليه بريطانيا محتلة وسامته الخسف سنين حتى عقدوا معه معاهدة لم تمنع بريطانيا من التدسس بسلطانها إلى جميع مرافقه، فهو لا يستطيع أن يؤدي حق أرضه عليه كما يجب، وسلطان بريطانيا هناك سلطان جائر عنيف لا يزال كما كان على أول عهد الاحتلال، ويخشى أن يزداد فيه سلطانها وسلطان شريكتها ووارثتها أمريكا، بما جد من شئون النفط والبترول وما إليهما.
وأما سورية ولبنان، فقد جلت عنهما فرنسا جلاءً تامًا على أثر الأحداث العالمية التي جاءت مع الحرب الماضية، فاستردتا استقلالهما بغير قيد ولا شرط. ولكن يخاف عليهما ما يخاف على سائر البلاد العربية من تسرب السلطان
(*) الرسالة، السنة الخامسة عشرة (العدد ٧٣٢)، يوليو ١٩٤٧، ص: ٧٧٧ - ٧٧٩