وقد عرضَ الأستاذ (المنجوري) في مقاله هذا إلى عهد الاحتلال وما صنعت سياسته في أخلاق مصر وتعليمها، وكيف حطم بجوره وعدوانه كل الصلات القوية التي يعتمد عليها ترابط الكيان الاجتماعي، فتمزقت الجهرد المصرية في الإصلاح، واستبدَّت الشهوات الجارفة بأخلاق الطبقات كلها، ففشل الاجتماع المصري في إرادته، وقام على أساس فاسد من الأخلاق حتى صار أكثر ما نرمي إليه غرضًا فرديًا لا قيمة له في البناء الاجتماعي، ومن هنا استبد المستبد وصارت السيطرة الفردية في كل أعمالنا هي المبدأ، فلم يقم بيننا التعاون على أساس صحيح، وكذلك تنازعت الشهوات أعمالنا فصار الآخر بأنانيته يريد هدم عمل الأول لينفرد بأحدوثته وَصِيته، كالذي رأيناه في الحكومات الكثيرة التي تعاقبت على الدولة المصرية فشرعت ووعدت وبدأت وسارت، ثم جاءت أختها من بعدها لتقف كل ذلك وتبدأ من جديد بلجانها وتقريراتها واقتراحاتها، تريد أن تخالف وأن تنشئ وأن توجد، ثم هكذا دواليك حتى غدت وعود الحكومات عند المصريين خاصة والشرقيين عامة إلى مثل التي يقول فيها كُثَيِّر عزَّة:
تَمَتَّعْ بها ما ساعفتك، ولا تكن ... عليك شجى في الصدر حين تبينُ
وإن هي أعطتك الليان، فإنها ... لآخرَ من خُلّانها ستلين
وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ... فليس لمَخْضُوبِ البَنَان يَمينُ
فهذه أمراض وأوبئة لا تزال تنتشر، ولابد من مكافحتها مكافحة صارمة بغير هوادة. فهل في الذين يصير إليهم السلطان الوازع العامل من يستطيع أن يتجرد لمكافحة هذه الأوبئة، ولو كان في كفاحها كفاح لنفسه وشهواته وأغراضه؟ هل تجد مصر أخيرًا طبيبها المغامر؟ ليتها تجد. . .
[المنطلق]
قرأت في العدد ٣٤١ من "الرسالة" أغنية -أو هكذا سمّاها صديقنا- بعنوان "الناى". قال الأستاذ بشر فارس: وهي على بحرين مختلفين رغبة في