للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الثالثة، فهي أيضًا موضع الإشكال، فمن غير الممكن فيما نظن أن يتجرد هؤلاء عن الغرض الخفي الذي يدب من وراءِ الكلام؛ هذا على أنهم كما قدمنا ليسوا أصحاب سليقةٍ في فهم النصوص العربية على التحري لموضوعها، وتمامِ الفقه لمعانيها التي يتعاطونها، وإذن فمن واجب قارئ كلامهم أن يقف عند آرائهم موقف الناقد الذي لا يقبل إلا ما تقبله الطبيعة الفطرية للغة في المعاني التي يستخرجونها من الكلام. ومع ذلك أيضًا فمن عيوب هذه الفئة أنهم ربما استخرجوا قولًا ضعيفًا فاسدًا ليس بشيء في تاريخ الإسلام والعربية، ثم يكتبون وقد اتخذوا هذا القول أصلًا ثم يجرون عليه سائر الأقوال ويؤولونها إليه، ثم يحشدون لذلك شبهًا كثيرة مما يقع في تاريخ مهمل لم يمحص كالتاريخ الإسلامي، وكذلك يلبسون على من لا يعلم تلبيسًا محكما لأنه حشْد وجمع، وتغرير بالجمع والاستقصاء الذي يزعمون. وسنتناول ذلك بعد قليل بعرض بعض الآراء التي ترجمها لنا الأستاذ بدوي في كتابه لنحقق كل ذلك إلى نهايته، حرصًا على أن نحصر الفساد في أضيق محيط.

[العقاد]

وأنا لا أحب أن أختم هذا الحديث بغير مثل أيضًا. فهذا الأستاذ "العقاد"، وكلنا يعلم أنه قلما كان يتناول الأغراض الإسلامية بالتحرير والبحث، ولكنه منذ العدد الهجري للرسالة كتب مقالة عن عبقرية محمد - صلى الله عليه وسلم - العسكرية، ثم عن عبقريته السياسية، فاستوفى القول في ذلك وأشبعه، ورد كثيرًا من الشبه التي كان يلبس بها الأعاجم على الأغرار من شبابنا. وليس يستطيع مستشرق أن ينفذ في فهم التاريخ العربي، والاجتماع الإسلامي، والفلسفة الإسلامية، كما يستطيع كاتب قارئ مطلع كالأستاذ العقاد. ثم هو فوق ذلك أديب عربي يستطيع أن يجعل فطرته العربية الأدبية عونًا له على التغلغل في أسرار تاريخية مطموسة، لا يطيقها المستشرق لفقدانه مثل هذه الفطرة، ثم لأن البيئة العلمية والاجتماعية التي نشأ فيها وتثقف على أساسها لا تطاوعه أو تلين معه، حتى يكون في نظره