للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتنبي ليتني ما عرفته

- ١ -

أخي الدكتور عبد العزيز الدسوقى

. . . . وبعد، فكاذب أنا إن قلت لك أن ثناءك على لم يهزنى، فأنا كأنت وكهو وكهي، كلنا مما يغره الثناء، أو تأخذه عنده أريحية وابتهاج أو تغمره فيه نشوة ولذة. ولكن غرورى وأريحيتى وابتهاجى ونشوتى ولذتى، سرعان ما تنقلب علي غما لا أجد متنفسا يفرج عني لأنى أعلم من حقيقة نفسي ما يجعلني دون كل ثناء وإن قل، أعلمه عيانا حيث لا يملك المثنى علي أن يراه عيانا كما أراه. وليت شعرى، أكان شيخ المعرة صادقا حيث يقول عن نفسه.

إذا أَثْنَى على المرءُ يوما ... بخير ليس فيَّ فذاك هاجِ

وحقى أن أُساءَ بما افتراه ... فلؤمٌ في غريزتىَ ابتهاجِى

وعسى أن يكون الشيخ قد صدق عن نفسه بعض الصدق. لقد عد ثناء المثنى عليه بما ليس فيه افتراء، ثم أقر مع ذلك أنه يبتهج لما افتراه وكان حقه أن يستاء، لولا لؤم الغريزة. فمعنى هذا إذن: أن الشيخ كان إذا جاءه ثناء عليه بما هو فيه، فإنه يبتهج له، ولا يعد ابتهاجه هذا لؤما في غريزته. أما أنا فأعد ابتهاجى بالثناء على بما هو في وبما ليس فيَّ، لؤما في الغريزة لأنى أعلم أن الذي فيَّ من الخير مغمور في بحر طام من النقيصة والعيب. ومع ذلك، فأنا أشكر لك ثناءك، لأن الشكر واجب لا مصرف عنه. وترك الشكر لؤم آخر في الغريزة.

أشكره لك لأنك بثنائك على، ذكرتنى عيبى وتقصيري ونقيصتى لأستغفر الله وأتوب إليه هذه هي الأولى.

أما الثانية: فإني وجدتك في مواضع متفرقة من كلامك في شأن كتابي وكتاب الدكتور طه عن المتنبي تكثر من أن تتنصل من إرادة إغضابى أو إرادة


(*) الثقافة، السنة الخامسة - العدد ٦٠، سبتمبر ١٩٧٨ ص ٤ - ١٩